ناهد الأغا
لا بُدَّ من تقدير ووفاء لمن كان حيا ًبالأمس القريب حياً بيننا، وغادرنا للأبد، لكن آثاره وما باح به ذات يوم خالد، نقرأه ونسمعه في يومنا الحاضر.
عندما نفقد إنسانا عزيزا، نُسرع إلى نعيه ورثائه بعد وفاته بقليل، لكن ما إن تمضي الأيام قليلا ًحتى يتناسى الجميع من رحل عنا، رحمهم الله جميعا ًوأسكنهم فسيح جنانه.
فرأيت من جميل الوفاء والتقدير، أن نستذكر شخصية شعرية سعودية تميزت بتجربتها الشعرية بحداثة القصيدة الشعبية السعودية، وكان من خيرة من كتب القصيدة العامية بلغة حديثة، فندعو بالرحمة والغفران للشاعر السعودي عناد المطيري، الذي اختاره الله عز وجل إلى جواره قبل عام وأكثر من الآن.
رحل الشاعر عناد المطيري- رحمه الله-، وترك جملة أبيات شعرية وقصائد جزلة، معبرة عن معانٍ جيدة، فعندما تقرأ أبياته:
خذ راحتك ما غير أنا وأنت والليل
والليل مأمونٍ على سر الأحباب
خل القلوب اللي عطاشا مغاليل
تروي لهيب الشوق يوم القمر غاب
سود العيون اللي هدبها مظاليل
تجرح سكون الليل في همس الأهداب
الحب ما يحييه غير المواصيل
ولا بدونه تصبح قلوبنا أغراب
تلمس تحديث شعبي شعري لرؤية شعرية سادت عن كبار الشعراء وفحولهم خلال عصور ازدهر فيها الشعر والأدب العربي، فجاوز المطيري -رحمه الله- أغزل الشعراء في أوصافهم، بلهجة عامية شعبية محكية، لقد منح الشاعر الليل صفات فاقت ما وصفه به شعراء المعلقات الجاهليون، ومن جاء بعدهم في العصور اللاحقة المتميزين بالغزل، فلقد جعل الشاعرُ الليلَ شاهدا ومستودع سره في حبه ونديماً ثالثاً في جلساته ومحبوبته.
وهنالك قصة أخرى تُلمس في أبيات عناد المطيري- رحمه الله- في ثنايا قصيدته «خارج الزمن الرسمي»، التي تستشعر فيها العمق النفسي والفلسفي، الذي ثار في وجدان وهاجس الشاعر، وباح بمكنوناته بلهجته العفوية، تسرح المشاعر بُحرقة، حين تُقرأ هذه الأبيات:
خارج الزمن الرسمي
صدقني الحلم الطفولي صاح بي
نسيت فاللحظة محاذير المكان
تيار في موج العواصف راح بي
انسان واعذرني على بعض الحنان
أقبل.. سكوتي.. واعتذاري صاحبي
من أمس والساعة على الساعة ثمان
واضح غموضي.. والغموض أرتاح بي
اثنيننا نفس المغني والكمان
ما قلت لا.. ما قال شيء وطاح بي
ما احتاج مني شاهد اثبات وبيان
استوعب الفن وخيال لاح بي
من غيمة خارج مواقيت الزمان
علمني.. أن مل الزمان وصاح بي
ما يختلف للشمس ميعاد ومكان
في داخل كل فرد فينا، ذلك الطفل، ومستودع الذكريات الخصيبة، والرغبة والحنين للعودة إلى ذلك الماضي، ويجد الواحد فينا نفسه أسيراً في أحيان كثيرة لما مضى من سني حياته، ولو تُرك الأمر لديه لما خرج من دائرة ذلك الزمن، ليس الشاعر الراحل- رحمه الله- استشعر أنه خارج الزمن الرسمي، فجميعنا لو غاص الآخرون في كوامننا لوجدنا جميعناكذلك.
دعوات إلى الله صادقة أن يتغمد الشاعر عناد المطيري بواسع رحمته، فقد قال عن وجد عصف بقلوبٍ كثيرة، لم تسعفها كلماتها ببوحه مثله.