خالد بن حمد المالك
يبدو أن هناك تفاهماً على هدنة بين الإسرائيليين وحركة حماس في قطاع غزة، إذ إن إسرائيل تتحدث عن أن هجومها على غزة منذ الثلاثاء الماضي وإلى الآن، وما سبقه من هجوم قبل عشرة أيام كان محصوراً بحركة الجهاد الإسلامي، وتدعو حماس إلى عدم الانخراط في هذه المواجهات حتى لا تكون هي الأخرى مستهدفة.
* *
حركة حماس فهمت الرسالة جيداً، فنأت حتى الآن بنفسها عن دعم حركة الجهاد الإسلامي في التصدي للعدوان الإسرائيلي، فانحصرت الضربات الإسرائيلية على مواقع حركة الجهاد الإسلامي، وعلى قتل قادة تنظيم حركة الجهاد الإسلامي الثلاثة، بهدف تحييد القوة الجهادية، وإخراجها من القدرة على المواجهة في المستقبل، ليكون التحضير الإسرائيلي المستقبلي (ربما) للتركيز على الحماسيين.
* *
ومع التسليم بأن الفلسطينيين لا يملكون القدرة العسكرية - وإن ملكوا الإرادة على مواجهة العدوان الإسرائيلي المتكرر- إلا أن إسرائيل مع تفوّقها في موازين القوى العسكرية لم تكن في حالة استرخاء أبداً منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية وإلى اليوم، بل إنها ظلت في حالة قلق وخوف وتحفّز واستعداد لمقاومة هذا الإصرار الفلسطيني على استعادة حقوقه المشروعة باستخدامه كل ما يملكه من أسلحة وقدرات قتالية.
* *
والمؤكد أن إسرائيل لا تقبل بدولة فلسطينية أياً كانت حدودها، وشروط إقامتها، بل إنها التفت على كل الاتفاقيات وقرارات الشرعية الدولية، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى مزيد من القوة العسكرية في الجانب الفلسطيني، وتحديداً في الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح إذا ما قامت، حيث لا تتوقع إسرائيل أن يلتزم الفلسطينيون بتفريغ دولتهم من أي سلاح دفاعي عن حقوقهم، حتى وإن قبلوا باتفاق يلزمهم بذلك، وهذا مصدر الخوف والتردد لدى الإسرائيليين.
* *
لكن استمرار الحالة الإسرائيلية - الفلسطينية على ما هي عليه لن يخدم إسرائيل على المدى البعيد، ولن يوفر لها الاستقرار والأمان، فالقوة العسكرية الفلسطينية في تصاعد، وإصرار الشعب الفلسطيني على استعادة حقوقه لم يفتر رغم أعداد القتلى الكبيرة من رموزه وقادته، لأن التعويض عنهم بقادة جدد موجود، والقضية الفلسطينية تسكن في وجدان كل الفلسطينيين، ولا يأس لديهم أو إحباط رغم كل هذا العدد من القتلى والمصابين والمساجين، والدمار الذي وصل إلى كثير من بيوت المواطنين الفلسطينيين.
* *
إسرائيل جربت أن تهدم منزل كل مقاوم، وتأسر أفراداً من أسرته، وتنزع الجنسية من أي مقاوم، وتضعه في سجونها حتى يموت، بل إنها حرمت الفلسطينيين من كل سبل الحياة، وجردتهم من إنسانيتهم، ودنست مساجدهم، وأعطت الضوء الأخضر لمواطنيها ليقتلوا ما يشاؤون من الفلسطينيين، وكل هذا ساعد كل فلسطيني في مقاومة المحتل، والتصدي لممارساته، والعمل على تحسين القدرات العسكرية لدى الفصائل الفلسطينية.
* *
المؤسف حقاً أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم التوجه الإسرائيلي باستخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، ولا ترى بأساً في التنكيل بهم، وتعترض على أي قرار في مجلس الأمن يدين تل أبيب باستخدام حقها في الفيتو، وتعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتنقل سفارتها إلى القدس، وتندد بأي عملية مقاومة ضد إسرائيل، ولا تفعل ذلك مع جرائم إسرائيل، وهذا ما جعل إسرائيل تتمادى في عدوانها، وتنكّل بالفلسطينيين.
* *
لكن مع هذا فحركة حماس هي من أضعفت الإصرار الفلسطيني بإقامة دولته، حين انفردت بغزة خارج السلطة الفلسطينية، وأصبحت تتحكم فيها، وهي من أخذت مواقف سلبية من كثير من الدول العربية، وكأنها في غنى عن دعمهم، وحركة حماس كما هي حركة الجهاد الإسلامي، وكل الفصائل في غزة تتصرف بما يجعلها تحت نيران العدو الإسرائيلي، فيموت من يموت من المدنيين، ويهدم ما يهدم من مساكنهم، وفي المقابل يكون ما يصيب إسرائيل والإسرائيليين من صواريخ الفصائل الفلسطينية وطائراتها المسيرة محدوداً.
* *
لهذا، فالمطلوب من الفلسطينيين أن يتفقوا على كلمة رجل واحد، وينسقوا مواقفهم، ويتخلوا عن الارتهان لهذه الدولة أو تلك، ويكون اهتمامهم أولاً وأخيراً بمصلحة بلادهم، وليس لمصالحهم الشخصية، وأن ينأوا عن الخلافات فيما بينهم، ويحسنوا علاقاتهم مع أشقائهم العرب، فالمستقبل إن فعلو ذلك سيكون لصالحهم، في دولة مستقلة بحدود آمنة، وقدرات اقتصادية مشجعة، وعلاقات دولية محترمة.