الأرقام تمثِّل قيمة لا يستهان بها في كل لغات العالم، ويندر أن يكون هناك حديث دون ذكر رقم من الأرقام، ومن منا لا يستخدم كلمة (كم) الاستفهامية؟ في حياته اليومية التي يستوجب إجابتها كتابة أو نطق رقم فنقول: كم السعر؟ كم الساعة؟ كم المسافة؟ كم المدة؟ كم التاريخ؟ وغيرها، وفي سورة المطففين {كتاب مرقوم} بمعنى مكتوب، وفي لسان العرب رقّم الكتاب بيّنه ووضّحه والأرقام هي رموز جاءت لتختصر لنا التعبير عن العدد بدل كتابته لفظاً. وليس سهلاً معرفة متى بدأت الأرقام والمتوقع أن الإنسان الأول استخدم الأرقام ذهنياً وتدريجياً دون أن يعبر عنها ولا يذكرها أو ينطقها أو يكتبها فهو قد يحتاج لترتيب بعض احتياجاته ترتيباً أولياً ففي البناء مثلاً يضع اللبنة الأولى والثانية والثالثة، أما البيع والشراء فكان بالمقايضة والمبادلة، فكيس قمح بكيس تمر مثلاً، وأربع شياه بناقة وهكذا.
وحسب النقوش والآثار ربما كان الهنود هم أول من استخدم الأرقام للتعبير عن عدد الأشياء، وهي نفسها الأرقام التي يستخدمها العرب1،2،3 وربما اشتقوا بعضها من أشكال أصابع اليد حين تشير بها أما الأرقام التي تستخدم في اللغة الإنجليزية هي التي اخترعها العرب في العصر العباسي حين طُلب من الخوارزمي عالم الرياضيات أن يفعل ذلك فوضع الأرقام الغبارية الي تستخدم الآن في اللغة الإنجليزية وكان العرب يسمونها الغبارية نسبة إلى الغبار لأنها كتبت على لوح عليه طبقة من الغبار، وكُتبت حسب عدد الزوايا، ولم يحبذ العرب استخدامها وفضلوا الأرقام الهندية لأنها تتناسق مع الكتابة العربية كونها تبدأ من اليمين لليسار، ولم يُذكر أن العرب قبل العصر العباسي دوّنوا الأرقام فهم لا يكتبونها رقماً، بل تكون كتابة لفظية وذلك ولندرة التدوين؛ حتى القرآن كُتب في عصر الصحابة وليس فيه أرقام وجاء ذكر الأرقام في القرآن لفظا لا عدداً مثل قوله تعالى {وإن أخي له تسع وتسعون نعجة} واستمرت المصاحف لا يوجد فيها أرقام طوال العصور الإسلامية السابقة ثم ظهرت الأرقام في المصحف بعد أن ظهرت أول مطبعة عربية في روما حسب ما ذكر عبدالرحمن بدوي، وبدأت بطباعة بعض الكتب وبعض سور القرآن ،وطبعت نسخة من المصحف كاملة وكانت مرقمة وكان ذلك في أوربا عام 1537م وربما كانت في البندقية ، ولا يعرف من راجعها ومن المرجح أنهم استعانوا بقراء مسلمين.
والأرقام في العصر الحديث أصبحت جزءا من حياتنا في كل مناحي الحياة، فلا الطب يستطيع الاستغناء عنها ولا الطيران أما الاقتصاد فشرايينه النابضة هي الأرقام فالمؤشرات الاقتصادية والتي تعتمد على الأرقام هي من يحرك العالم اقتصاديا، وفي السنين المتأخرة، ظهر ما يسمى بالعملات الرقمية التي لا يقابلها أصل مادي، وبغض النظر عن مخاطرها إلا أنها أصبحت تنال اهتمام مجموعة من الناس وهي من الاستثمارات عالية المخاطر في عصر ما بعد الألفين والتي هي عبارة عن أرقام ترتفع أو تنخفض حسب العرض والطلب، فالواقع أنك تشتري بمالك أرقاماً لا سلعاً! بخلاف سوق الأسهم الذي تشتري فيه جزءاً من الشركة. ويتجه العالم الآن وفي ظل تسارع سباق الذكاء الاصطناعي إلى تعامل كلي بالبطاقات وربما تختفي البطاقات ويكون التعامل عن طريق الجوال الذكي من خلال الرقم السري أو حتى يتم الاستغناء عن الجوال في الشراء ويكون الشراء في الرقم السري ،فهل ستختفي العملات ونكتفي بأرقامها دون رؤيتها؟ أم ماذا سيأتي؟
** **
- صالح سليمان الربيعان