«الثقافية» - كمال الداية:
يناقش كتاب (الحقيقة والوهم في تجييل الشعر العراقي) الذي صدر حديثا للدكتورة نادية هناوي ظاهرة التجييل العقدي التي تراها المؤلفة من نتائج صدمة حركة الشعر الحر. ومن دلائل قوتها استمرار بعض الشعراء في القول بالتجييل العقدي، تارة بابتكار البيانات وتارة أخرى بالتخندقات، معبرين بذلك عن ردة فعلهم وطبيعة استيعابهم لذاك التحول الشعري الكبير.
وتذهب المؤلفة إلى أن الأجيال الشعرية موضوع من موضوعات التاريخ الأدبي لكن التجييل العقدي أي ولادة جيل شعري كل عشر سنوات هو الظاهرة التي قفزت إلى سطح المشهد الأدبي العراقي في ستينيات القرن العشرين وهي إلى اليوم مستمرة وبشكل تحتاج معه إلى إعادة مراجعة، نظرا لخطورة هذه الظاهرة في فهم التجارب الأدبية وتقييمها.
ويطرح الكتاب سؤالا مركزيا هو كيف يمكن لشاعر أن يرسم خريطة لعشرات الشعراء من خلال تجربته الشخصية، ومن دون أدنى اعتبار للتفنن والتجريب وأساليب التطوير والتنويع؟!
وترى د. هناوي أن هذا الفهم هو ما أدى إلى أوهام التجييل ومنها تصور وجود قطيعة بين الأجيال الشعرية، وهو أمر غير صحيح لأن الإبداع ليس له عمر محدد ولو كان صحيحا لما بدأ تولستوي تجربته الروائية في سن الخمسين ولما ظل ادونيس يقول الشعر وهو في التسعين. وبينت :(إن وبال هذه القطيعة وخيم، لا على الشعرية وحدها بل النقد الأدبي أيضا، لبطلان فنية معيار الزمان العقدي ولأن الاستمرار في الخطأ ومحاولة مناكدة السابق والتميز على اللاحق أفضت إلى شيوع مقولة (الشعراء الشباب) وفتحت منتديات ومهرجانات باسم (الشعراء الشباب).
ويضم الكتاب الذي يقع في 402 صفحة من القطع المتوسط مقدمة بعنوان (خندقة من خلف الشعر) ركزت على تأكيد تفاوت المعايير المعتمدة في دراسة الأجيال والمفاهيم الموظفة في رصدها. ويلي المقدمة تمهيد نظري يتناول مفهومي الجيل والتحوّل ثم يأتي الفصل الأول مختصا بالتنظير لظاهرة «التجييل العقدي» محددا ملابساتها أولا من ناحية التفريق بين العمر الزمني والعمر الإبداعي وثانيا من ناحية فئوية الشاعر المنظِّر وتجييله شعره بكتابة بيان أو شهادة وثالثا من ناحية غموض مقولات الحداثة.
ويناقش الفصل الثاني نقائص التجييل العقدي أما الفصل الثالث فيتبع أوهام التجييل العقدي ومسالكه. ويتناول الفصل الرابع دواحض المجايلة العقدية بشاعرين هما محمد مهدي الجواهري وحسب الشيخ جعفر.
ويخلص الكتاب إلى أن من المهم والضروري أن يتحمل النقد العراقي المعاصر مسؤوليته النقدية فلا يتهاون في أمر تصحيح الفهم الخاطئ لمعنى التجييل عموما والتجييل الشعري تحديدا وأن يتعامل معه على وفق شرائط تبتعد عن الأهواء والأمزجة والايدلوجيات والمصالح الشخصية مع التأكيد على أهمية التقارب والتواصل والتفاعل بين الأجيال الذي به تدوم عجلة الإبداع وتستمر بالتأصيل والتجريب معا.