أحمد بن عبدالرحمن السبيهين
في سنة 1940، وهي السنة الأخيرة لحركة السير المروري الطبيعية قبل الحرب، توفّي 40000 شخص، وأصيب مليون ونصف المليون، وتحطّمت مليون سيارة، ويتنبّأ خُبراء السلامة بأن سجّلات السنوات القادمة ستكون أسوأ,
وإذا كان 98 % من قائدي السيارات المتورّطين في تلك الحوادث من السائقين المتمرّسين، وكانوا يقودون سياراتهم في ظروف جويّة مناسبة وعلى طُرق جافّة، فما الذي دعاهم لتجاوز السرعة المُحدّدة، أو تخطّي إشارات الوقوف، أو التعدّي على حقوق الآخرين في أفضليّة المرور، أو المراهنة المتهوّرة مع الموت؟
يعتقد د. (هربرت ستاك)، رئيس مركز علوم السلامة بجامعة (نيويورك)، أن أكثر حالات القيادة غير الآمنة تكون ناتجة عن الاضطرابات العاطفية التي يُعانيها السائقون. فالشخص الذي يقع تحت ضغوط انفعالات قويّة كالخوف أو الغضب أو الحزن، سيكون خطيراً عندما يجلس خلف مقود السيارة.
ويذهب علماء النفس إلى أبعد من ذلك، فيعتقدون بأن كثيراً من السائقين يرتكبون الحوادث لأنهم لا شعورياً يريدون ارتكابها، فالحوادث بالنسبة لهم مُحاولة لا إرادية للانتحار أو القتل.
قادت السيدة (دي. دبليو.) سيارتها متوجّهة إلى وسط المدينة في صبيحة أحد الأيام لاستشارة محاميها في قضية طلاق، وقد كانت سائقة حريصة ولم يسبق لها أن ارتكبت أيّ حادث مروري من قبل. إلا أنها عندما غادرت مكتب المحامي كانت باكية وقلقة بشكل مُلفت، وفي طريق عودتها إلى المنزل كان عليها أن تعبر خطّ سكّة حديد سبق أن عبرته مئات المرات. كانت تعرف أوقات مرور القطار وكان الجوّ صافياً.. قام المهندس المسؤول بإطلاق صافرة التحذير، ولكن السائقة اتّجهت مباشرة أمام القطار السريع. وفي اللحظة الأخيرة قامت بحركة يائسة للفرار، ولكن القاطرة كانت أسرع فقضت عليها في الحال.. الحزن الشديد رفيق سفر شديد الخطورة.
السائق الغاضب سائق أحمق.. فقد تخاصم (جريجوري إل.) مع زوجته ذات صباح، وعندما ترك المنزل صفق بالباب الخارجي، وقفز إلى السيارة مندفعاً في هياج إلى الطريق مصطدماً بجانب شاحنة. النتيجة: تلف السيارة وتنويم السائق أسبوعاً في المستشفى، وربما كان سيفقد حياته جرّاء الحادث. كان سائقاً جيداً، وكان الجوّ صافياً، وكان يعلم بأن سياجاً من الشجيرات يحجب الطريق أثناء الخروج، ومع ذلك فقد قذف بسيارته حرفياً وسط الطريق العام لإظهار غضبه الشديد. ولو انتظر خمس دقائق لاستعادة هدوئه لما وقع له ما وقع.
اصطحب (بيرت بي.) زوجته وابنته في جولة بعد ظهر أحد أيام الأحد، وبينما كانوا عائدين إلى المدينة كان الطريق مكتظّاً، وكان بيرت مُتعَباً ويشعر بالحرارة الخانقة. وبينما كانت السيارات تزحف ببطء متسلّقة تلّاً طويلاً، رأى في الأعلى مساحة خالية أغرته بتجاوز السيارات التي أمامه لاحتلالها، ومع أنه لم يتمكّن من التأكّد من خُلوّ الطريق من السيارات القادمة في الاتجاه المعاكس، فقد اندفع خارجاً عن مساره، لتُحشر سيارته متحطّمة بين شاحنة قادمة وسيارة رياضية كان يحاول تجاوزها. قُتل هو وابنته حالاً وأصيبت زوجته بإصابات خطيرة.
أما (فيليب كاي.) فقد أخبره الطبيب يوم الاثنين بأنه مصاب بالسرطان، فوقع له حادث مروري يوم الثلاثاء، وفي يوم الخميس وقع له حادثان آخران، مع أنه لم يسبق له ارتكاب أيّ حادث من قبل. لقد أصيب بحالة شديدة من الرعب نتيجة لتشخيصه بالمرض، جعلته غير قادر على قيادة السيارة.
من الصعوبة بمكان أن تتخيّل المُتعة التي ربّما يشعر بها المرء حين يكون على حافة الخطر، ولكنها الحقيقة. كان (جريدي كاي.) في طريقه عائداً إلى منزله في الساعة الثانية صباحاً. كان يشعر وكأنه يسبح في الفضاء، فقد وافقت فتاته على الزواج منه. كان يعلم بأنه يقود سيارته بسرعة فائقة، ولكنه كان يشعر بالنشوة وكأنه يطير! من المحتمل أن سرعته كانت تزيد على ستين ميلاً في الساعة حين اصطدم بعربة الحليب. قُتل سائق العربة، ومع أن جريدي لم يُصب بأذىً يُذكر، إلا أنه من المشكوك فيه أن يتذكّر ليلة خطوبته مستقبَلاً بسعادة غامرة.
إن الانفعالات تُنتج تأثيرات مُميتة بطُرق مختلفة، وهي:
أولاً: تجعل أعصابك مُتوتّرة، مما يُسبّب اضطراباً في القُدرة على التحكّم.
ثانياً: تُحدث إجهاداً مُفاجئاً على جسمك، فبعد مرور عِدّة دقائق من الخوف، غالباً ما ستشعر بتعب وإجهاد يُماثل تعب يوم كامل من العمل. هذا الشعور بالإنهاك بالذات خطِر أثناء القيادة الليلية.
ثالثاً: يؤدّي الشعور بالانفعال الطاغي إلى تجاهل الحرص والوقاية في الظروف العادية؛ فالشخص الذي يستبدّ به الغضب يقوم بالمخاطرة لأنه لا يُبالي في ذلك الوقت.. ومن تمتلئ نفسه بالرعب لا يُدرك أنه يقوم بالمخاطرة.. ومن أصابه حُزن عميق يقود السيارة بتهوّر، لأن حواس السمع والبصر أصابهما الكلل.. أما من تُسكره السعادة الغامرة المُفاجئة، فإنه يشعر وقتيّاً بأنه منيع ضِدّ الأخطار.
أنت لا تستطيع بالطبع إيقاف انفعالك، ولكنك تستطيع أن تتعلّم الاحتياطات اللازمة لمبدأ «السلامة أولاً»؛ عندما تشعر بأن ضغط انفعالك بدأ بالارتفاع إذا حدث لك شيء أغضبك أثناء القيادة، فأوقِف السيارة وقُم بالمشي لفترة حتى تهدأ. إذا أصابك رعب شديد من تلافي حادث بالكاد نجوت منه، فقُد السيارة ببطء حتى تصل لمكان آمن وقف مُنتظراً حتى ينجلي ذلك الانفعال. إذا أُصبت بحالة يُرثى لها من الحزن والأسى، فتذكّر بأنك فقدت نصف قدراتك من حاستي السمع والبصر. لا تخجل من المبالغة في اتخاذ الحيطة والحذر في التقاطعات، أو في أي موقف تشعر بأن حالة طوارئ ستحدث حتى انقشاعها تماماً.
وأخيراً، لسلامتك وسلامة الآخرين، اتّبع هذا القانون الجديد على الطريق:
«عندما تكون معنوياتك في الحضيض، كُن حريصاً بشكل مُبالغ فيه».