د.أحمد يحي القيسي
يُعَدُّ الإدهاشُ هاجسَ الأديب الأول، فمنذ أن يُذْكِي الشغفُ جذوةَ الكتابة داخله لا ينفك «قلق النص» عن ملازمته، ولن يتبسم ثغر قناعته بما يُدوِّنُ إلا حين ينسجُ لأفكارِهِ أرديةً من معاجم حقوله اللفظية والدلالية.
فأقصى ما يؤرق الأديبَ التحررُ من تأثير سابِـقِـيهِ، والخلاصُ من تَسيُّدِ آثارهم اللائي لا تبرحُ مقولاتُها قارعةَ تداعياته؛ حتى يستقل بأسلوبٍ وبثيماتٍ لا يتعالق فيهما جملةً مع أحد. فلا عجب إن أذعن أحدنا لنصٍّ أبْصَرَت أحرُفُه النورَ للتَّو وتفكيره لاهٍ بالبحث عن شبيه له بين أكوام المقروء.
وتتضخم صعوبة التفرد المنشود في قصيدة الهايكو، نظراً لضآلة نصها ومحدودية ألفاظها وموضوعاتها، وكذلك حساسية التعبير عن مشاهدها.
سوى أن بعض المبدعين جُبلوا على اجتناب مواطن الشَّبَه، وقهر عثرات التفرد لبلوغ المغايرة، ومنهم الأديبة المغربية/ مريم لحلو التي رسمت لإبداعها مساراً يُشَارُ إليه في فضاءِ الهايكو المكتوب بالعربية.
فمن الملامح الجمالية التي يمكن تَلَمُّسُها في بعض نصوصها قدرتها على فتح نوافذ التخييل المحظور في الهايكو، متغلبةً على صيغة الترائي المُـتَـواضَع عليها (كما لو) والتي تجور على أدبية النص أحيانا، لتسبك نصها بحرفية عالية لا يكاد يلحظها القارئ، كقولها:
«على الْعشبِ الأخضَر
الحرْباءُ الَّتِي مرَّتْ للتو
تركَتْ لونَهَا»
فالترائي رسم مشهدا بديعاً في هذا النص، ولو أنها لجأت لصيغته المعروفة لتجنت على جمالية الصورة.
وهي تفعل ذلك في نصوص أخرى وبأساليب مختلفة، كلجوئها لصيغتي التساؤل والتعجب ليستشعر المتلقي جمالية المشهد الذي يتراءى لها أو تراه كما في النصين الآتيين:
لا أحد على الشاطئ
لمن تقهقه هذه
النوارس؟
* * *
يا لهذه الأشجار!
تتعرى
لتكسو ظلها
وهذه مختارات من نصوصها:
إلى أين تمضين
أيتها الريحُ
بسرب الغمام؟
* * *
ما به شعري؟
يترك اليوم أمره
للريح
* * *
وحشة الخريف-
أبعد من ظلي
ظل الريح
* * *
بيتٌ مهجورٌ
لمنْ تنضجينَ
يا عناقيدَ العِنَب؟
* * *
بعد اشتعال النهار
هادئا يرتخي
هذا الغمام