في المكتبة القرطاسية التي في الحي جلس الكاتب الوجداني عزيز على كرسي بجوار ناسخ الآلة، وبيده ورقة هي مسودة لخاطرة كتبها بيده منتصف الليلة الماضية، وأخذ يملي على الناسخ الخاطرة ليكتبها في الحاسب الآلي، وكانت المكتبة شبه خالية يملؤها الصمت ولا تسمع إلا صوت عزيز وصوت إيقاع لوحة مفاتيح الحاسب، وفي أثناء ذلك دخلت سيدة لم ينتبه لها الكاتب! وصارت تصغي لكلمات الخاطرة الحزينة باهتمام وحين سمعت العبارة الأخيرة من عزيز: «يرتعش قلبي كالعصفور.. أضع يدي على قلبي أريد أن يهدأ.. وعندما أتذكر أن قلبي هو أنا أقرأ الفاتحة على نفسي»، فانتبه عزيز على صوت السيدة وهي تقول الله الله الله!
ثم التفت إليها وقال عذراً سيدتي لم أكن أعلم بوجودك!
قالت «أنا هنا منذ أن نطقت بعنوان قلبك وأنت تقول للناسخ اكتب صمتي هو بيتي»
ثم أكملت أرجو أن تأذن لفضول خاطري.. أظن أنني رأيت صورتك في إحدى الصحف!
قال لها عزيز ربما!
قالت ألست عازف الصمت الذي يكتب في: الجزيرة الثقافية!
قال لها عزيز ربما.. ربما ...ربما!
قالت أستاذي، بل هو أنت عزيز عازف الصمت!
«وربما» وإن جمعت فيها «رب» مع «ما» لن تبدد يقيني بأنني أعرف نبرة هذا الشجن أو لن يختفي طيف في ذاكرة عيون امرأة ومسمع قلبها حفظ ألحان ك شجية! لأني امرأة في سماء أعماقها سحب تشبه سحبك، وكثيراً ما أستمطر خيالك الباكي سحبي وإن تغير لون ومذاق المطر!
نظر إليها عزيز بصمت مندهشاً ثم قال نعم أنا هو ...
أنا عازف الصمت عزيز!
وأعتز بمتابعة سيدة مشرقة مثلك تجد عصافير وجداني لها عشاً على نافذة أعماقك وإن أبكتك أسعدتك لأن الجرح البخيل.. يستل خنجر الصمت وينغرس في كل الكلام.
قامت السيدة بفتح حقيبة يدها وأخرجت منه منديلاً أبيض، وقالت: تفضل أستاذي وتذكر أن قارئة التقتك صدفة وأهدتك منديلها ليكون معك، كمظلة المطر في لياليك الأسفنجية الممطرة!
أخذ منها عزيز المنديل بصمت.. وثرثرة النظرات! ثم تمتم بصوت منخفض هديتك مقبولة!
اتجهت لباب المكتبة لتغادر المكان، ثم التفتت إليه ولوحت له ببياض راحة يدها مودعة له!
ورفع يده لها والمنديل ملتف على يده كأنه شاش أبيض يضمد جرحاً نازفاً بيده!
** **
عبد العزيز حمد الجطيلي - عنيزة
email: ayamcan@hotmail.com ** ** ** twitter: @aljetaily