تحدثت في مقالة سابقة عن ظروف إصدار كتابي «طقوس الكتابة عند الروائيين»، ووعدت بالحديث عن بعض المواقف التي واجهتني بأنواعها في أثناء جمع الطقوس من الروائيين.
عندما قررت البدء في التواصل مع الروائيين اخترت الكاتب يوسف المحيميد الذي كنت معجباً وما زلت بأسلوبه في الكتابة، وعندما أنهيت الأرقام العشرة من رقم هاتفه رحب بي بصوته الهادئ، وحدد أحد المقاهي ليكون مكاناً للقاء.
قبل الموعد بعشر دقائق كنت أنتظره، وفي الموعد تماماً رأيته يدخل من بوابة المقهى، وعندما جلس أمامي حدثته عن العمل والفكرة، ثم سألني عن الأسماء التي حددتها للبحث عن طقوسها، عددت له بعضها، فأضاف إليها أخرى، سألني هل أنا صحافي؟ قلت: لا .. رجع بظهره إلى مسندة المقعد، ثم قال: وكيف ستتواصل مع الروائيين؟ فذكرت البريد الإلكتروني والاتصال الهاتفي، فتغير وجهه أو هكذا رأيت.
ثم نهض من مكانه، وهو يقول: إذا حصلت على طقوس هؤلاء اتصل بي كي أعطيك طقوسي، من وجهه قرأت عدم رضا، وأني لن أستطيع إنجاز مهمتي، ولكن ذلك خلق في نفسي تحدياً كبيراً للنجاح في مهمتي، فودعت الرجل وكلي تصميم على كسب ذلك التحدي.
كان الرائع إبراهيم نصر الله هو أول من كتبت له عبر البريد أطلب طقوسه، لغته الساحرة في الكتابة ذات مذاق منفرد، سيرته «أقل من عدو.. أكثر من صديق» أبهرتني، بأسلوبه وتسلسله في الأحداث، وروعته في وصف المواقف، لذا كنت في شوق للاقتراب منه، وسؤاله كيف يكتب وكيف يبحر في عالمه المثير .. لكني لم أتلق منه رداً,
انغمست في البحث عن وسائل تواصل مع بقية الروائيين في القائمة التي اتفقت فيها مع الأستاذ يوسف، وبعد شهر تقريباً وصلني رد من إبراهيم نصر الله يخبرني أنه كان مشغولاً بكتابة رواية، وسيكتب لي عن طقوسه قريباً.
انفرجت أساريري فرحاً، وبدأ المطر ينهمر، تبددت كل مخاوفي من أن عدم شهرتي قد تكون عائقاً يقف أمام هدفي، وبعد أسبوع كان بريدي يستقبل أول الطقوس.
كانت طقوس إبراهيم نصر الله الغيمة التي جلبت الفرح، فغدوت أريد المزيد، فزادي قليل، وهدفي بعيد المدى، لذا أدرت هاتفي أتواصل مع آخرين.
كم هو مثير أن تسمع صوت من كنت تقرأ حروفه، ها هو صاحب ذلك القلم المثير يتحدث معي مباشرة، وتلك الروائية التي نالت الإعجاب تعد بأن ترسل طقوسها، لقد كنت في قمة سعادتي.
ولكن ليست كل الاتصالات تنتهي بشيء سعيد، فقد يكون الاتصال الأول جميلاً، ولكن في الاتصال الثاني تتغير نغمة الترحيب لتحل محلها نبرة جافة، نبرة تشعر معها بأنك ثقيل، وأن غباراً قد علا وسد الأفق، لا تملك معه سوى أن تنسحب بهدوء، وتنتظر زوال الغمة، وعودة صفاء الأجواء.
لكني لم أتوقف، ولم أعلن استسلامي، فهذا الروائي يعدني بالكتابة، وتلك تبتسم وتعلن مشاركتها، وذلك الكاتب الكبير يرسل طقوسه.
بعد ستة أشهر من العمل اتصلت بالمحيميد، قلت له «لقد أنهيت العمل، فطلب أن أرسل المسودة إلى بريده الإلكتروني، صباح الغد وفي السابعة والنصف اتصل بي ليقول في ذهول: برافو.. أحسنت .. حقاً أنت الكاتب رقم 26 بكلماتك التي تسبق طقوس كل كاتب.
ابتسمت لهذه الكلمات، وسعدت بكسب التحدي، فقد حمل الجزء الأول من الكتاب طقوس خمسة وعشرين روائياً.
** **
- عبدالله ناصر الداود