بجانب سريركِ علب الأدوية كثيرة متعدّة الأصناف والألوان، تصطفّ بنظام فريد لا يفهمه إلا أنتِ، الأمراض تتناسل وجسدكِ ضامر وقلبكِ كدّه الشوق، تقذفين ذاكرتك إلى الوراء كي تجلبَ لكِ وقود يومك الآتي، ممارسة لذيذة تسافر بكِ، فتتبدّل ملامحك، وتعود إليك ابتسامات الأيام الذابلة، وحيدة إلا من أملِ ذائب حائل تُعلّقين على مشجبه نظراتك نحو شمس أذنتْ بالأفول.
صيف هذا العام شديد الحرارة، تُرهقك تلك المِزقة من شغف الحياة، ربما تكون المزقة الأخيرة التي عانقتكِ كي تمنحك وقتاً آخر للحياة، في داخلك تتمنين أنها ستفوز برضاك لو تبدّدتْ وغادرتِ أنتِ بهدوء.
خشخشات الجرذان في بيتكِ هي فقط من يُشعركِ أن في الحياة من يرقبكِ ويخشاكِ بل ربما أحبّكِ، المكيّف لا يعمل وحرارة الصيف تتكاثف ولا تملكين رغبة تدفعكِ إلى طلب إصلاح عطله، بل تكومينه خلفكِ كما تفعلين مع كلّ ما يصادفك، وربما يرغب في أُنسكِ.
هذا الصباح يزدادُ سعالك، تمتدّ يدكِ المعروقة الشاحبة، تتبعثر الأدوية وتسقط زجاجات الأدوية فتندلق السوائل على الأرض، رفعتِ رأسكِ تشاهدين كنتِ بين الدهشة والرغبة، نعم رغبتِ في قذف الأدوية، كلّ الأدوية التي خذلتكِ، نهضتِ، كنستِ شظايا الزجاجات المُراقة، جلستِ على سريركِ، لحظة عابرة ركنتِ فيها إلى ظلّ حدثٍ مشابه قديم استدعاكِ ليعبث في قلبكِ وليبعث لك نشوة ما كنتِ تحتاجين إلا لها.
حملتِ كيس الأدوية، غرزتْ أشعة الشمس لهيبها في جسدك، رآكِ الصيدلي مقبلة فابتسم لكِ، وكأنه ألصق ابتسامته في وجهكِ الذي لانت ملامحه، نظر الصيدلي إلى مجموعة الأدوية، أشفقَ عليكِ، قال متودّداً يا أمّي بعض الأدوية منتهي الصلاحية، طارت بكِ منادته لكِ، أكمل.. وبعضها يجب أن تتوقفي عن تناوله بعد أسبوع من بدء استخدامه، لا زلتِ محلّقة مع كلمته الودودة، استبدل الأدوية بأخرى وأنتِ خالدة إلى زمن آخر بعيد، حملتِ كيس الأدوية وسرتِ نحو بيتكِ، فور وصولك البيت قذفتِ بكيس الأدوية في سطل القمامة، وتمدّدتِ على سريركِ تحتلبين مناداة الصيدلي لكِ بأمّي.
في الغد تاقت نفسكِ الناضبة إلى بلل الكلمات لعلّها ترتق تصدّعا بات وشيكاً، قال لكِ زميله إنّه في إجازة اليوم، عُدتِ وكأنّكِ تُساقين إلى القبر ، في اليوم التالي دفعكِ أملٌ متهالك، دخلتِ الصيدلية، من بعيد شاهدتِ زميله، سألتِ عنه، قيل إنّه في سفر طويل، عُدتِ إلي بيتكِ، حفرتِ قبركِ في سريركِ، تمدّدتِ وفاضتْ وحشة آمالك، غادرتِ ولا زالتْ يدكِ مقبوضة على أمل لم يأتِ.
** **
- عبدالكريم النملة