الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
استغرب الأدباء والمثقفون من استمرار دعم الأندية الأدبية وهي في إدارات مؤقتة، كما لو كانت في إداراتها المنتخبة وأن الأندية الأدبية قد تجاوزها الزمن، وطالبوا الوزارة بالحسم في أمرها وتحويل مقرات الأندية إلى مراكز ثقافية تشتمل على كافة مجالات الثقافة مثل السينما والمسرح والغناء والموسيقى. عاشت «الأندية الأدبية» مجدها الذهبي، في عهد صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز الرئيس العام لرعاية الشباب - رحمه الله- وكان له الفضل في إنشاء ودعم الأندية الأدبية وتبني مشاريعها الثقافية ورعاية مؤتمراتها، وآخر مؤتمر حضره قبل وفاته بتسعة أشهر (1420هـ/1999م) المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين 1419هـ/1997م بمكة المكرمة ورغم مشاغله وسفره إلى الشارقة - آنذاك -، تأجل انعقاد ذاك المؤتمر ليومين، لإصراره على الحضور والافتتاح، والأمير فيصل بن فهد كان يدعم النوادي الأدبية والجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون.. وكان الدعم قد توقف عن الأندية منذ مطلع عام 2023م مما جعل الأندية تعلّق كثيراً من أنشطتها وتقوم بتسريح موظفيها؛ وكان الرعيل الأول من الأدباء قد سيطروا على أغلب مقاعدها وأقصوا الشباب في عقديها الأولين من إنشائها، وابتليت فيما بعد بسيطرة بعض الأكاديميين واكتساحهم الساحة الثقافية ونقل نقاشتهم الأكاديمية إلى أقبية الأندية وقاموا بطباعة جلّ أعمالهم ودراساتهم التخصصية فيها مما أدى إلى تكدس مخازن الأندية بالكتب الجامعية وعزوف وتذمر الأدباء من المشاركة فيها رغم محاولة إعادة بناء الأندية وترميمها بالانتخابات.
تجربة الأندية
في البدء تحدث د. عبد الله المعيقل أستاذ الأدب السعودي في جامعة الملك سعود عن تجربته وعمله في الأندية من حين عودته بعد بعثته الدراسية، وقال: تجمعني بنادي الرياض علاقة جميلة فقد عملت فيه مبكراً بعد عودتي من البعثة متعاوناً حيناً ومسؤولاً عن إصدارات النادي حيناً آخر مع عدد من الزملاء من خارج النادي.. بداية برئاسة الشيخ عبدالله بن إدريس - رحمه الله- حتى إدارة الجيل الجديد وهي تجربة ثرية اعتز بها واعتز بزمالة من عملت معهم وأحفظ لهم كل الود والتقدير.. لذلك عندما سمعت عن رفع الدعم عن الأندية انتابتني مشاعر كثيرة مختلطة.. فتجربة الأندية تجربة طويلة وممتدة وهي جزء مهم ومؤسس في تاريخ الحركة الأدبية في المملكة يبقى شاهداً على تطور الحركة.. كانت منابرها تعكس نبض المجتمع وحوارات أفراده في الأدب والنقد والفكر بشكل عام في مكان يلتقي فيه كل الأجيال وكل طبقات المجتمع في حوارات ونقاشات علمية في لقاءات وندوات ومحاضرات.. والحقيقة أن هذا الدور وحده كان له الأثر الكبير في التثقيف في كل في شتى صنوف المعرفة وليس الآداب فقط.. وليس من السهل حصره، ناهيك عن ركن آخر ومهمة أخرى كانت تقوم بها الأندية وهو إصدار الكتب التي تختار بعناية في الشعر والقصة والنقد وكثير من الذين عرفوا ككتاب فيما بعد كانت الأندية أول من نشر لهم وقدمهم لجمهور القراء.. ومجال الطباعة والنشر أيضاً بعد آخر من أهداف الأندية في مدن المملكة المنتشرة في كل منطقة.
لا أعرف خلفية القرار الأخير لوزارة الثقافة ولا أدري إن كان في خططها مستقبلاً الوصول إلى مرحلة تطويرية مناسبة أو إلغاء وجود الأندية.. تماماً وطي هذه الصفحة المؤسسة في تاريخ الأدب السعودي.. ما أراه هي أن تستفيد الوزارة من تجربة الأندية بما يحقق النقلة والتطور الجديد والهيئات العديدة التي كونتها الوزارة. وما ألاحظه أن نشاط وزارة الثقافة تنتشر الآن فعالياتها في مراكز وأماكن مختلفة فلو أعيد تهيئة وتجهيز مباني الأندية بما يناسب أنشطة الوزارة الجديدة فإن ذلك يسهل على الجمهور الوصول إلى مكان واحد معروف إلى أن تنشأ مسارح الوزارة.
الأندية قامت بواجبها
ورأى د. عبد الله ثقفان أستاذ الأدب الأندلسي بجامعة الإمام أن هذه الأندية قامت بواجبها وأصبحت منارة للعلم والثقافة، بل أصبحت مأوى لكثير من شداد الأدب. وقال: من المعروف أن الثقافة تاريخ ممتد ينطلق على أيدي أناسٍ يهدفون خلاله إلى خدمة البلاد والعباد ثقافياً، وليعبر بصورة صادقة عن حراك اجتماعي يتنامى مع الأيام ويتجول إلى جامعة مفتوحة يفد إليها الخاص والعام لا بهدف الحصول على سند ولكن الحصول على إشارة للدخول إلى عالم الثقافة وهو عالم ماتعٍ يتسم بنوع من الحرية والاعتداد بالذات والانطلاق إلى ما أرحب وأوسع ولأهمية الثقافة فقد أُسست وزارة خاصة تهتم بالثقافة وتفعيلها ورعايتها في هذه البلاد المترامية الأطراف وهو نفس الأسّ الذي قامت عليه الأندية الأدبية عندما انطلقت قبل أكثر من خمس وأربعين سنة، إذ صدرت الأوامر بفتح هذه النوادي منطلقة في المدن الكبرى ثم تلتها البقية الباقية حتى وصلت إلى ستة عشر نادياً، هذه الأندية قامت بواجبها وأصبحت منارة للعلم والثقافة، بل أصبحت مأوى لكثير من شداد الأدب ولأن هذه البلاد قد قامت على البناء والعزم على استمراريته فإن هذه النوادي هي أول من سعى بطلب تكوين وزارة خاصة بالثقافة، ويأمل د. عبد الله ثقفان في نهاية مداخلته بأن يُنظر في أمر هذه الأندية الأدبية وبقائها لتكون شامخة وقوية.
«شللية» الأندية والمطالبة بإغلاقها
واستغرب د. صغير العنزي من استمرار دعم الأندية وهي في إدارات مؤقتة، وتمنى من وزارة الثقافة أن لا تتردد في حسم موضوعها وطالب بإغلاقها أفضل من حصرها في «شللية «معينة. وقال أستغرب من استمرار دعم الأندية الأدبية وهي في إدارات مؤقتة، كما لو كانت في إداراتها المنتخبة.
موقف الوزارة لم يكن حاسمًا، وبقاء الأندية في وضعها الحالي ليس صحيحًا، فبعض رؤسائها مضى على إدارته لها أكثر من خمسة عشر عامًا، فهل يعقل أو يقبل هذا؟
إذا ظلت الأندية في وضعها الحالي فإغلاقها أفضل من بقائها.
لا أجد سببًا واحدًا يجعل الوزارة تترد في حسم موضوع هذه الأندية، ولا مبرر مقبولاً لهذا التعليق الذي طال أمده.
في هذه الحقبة رؤية وزاراتنا واضحة، وخططها مدروسة باستثناء مسألة الأندية الأدبية التي بقيت معلقة دون أسباب وجيهة، وبقاء إداراتها فيها مدة طويلة. هذا فضلاً عن أن بعضها كأنه مخصصاً لـ»شللية) بعينها، تتكرر وجوه المدعوين إليه كل مناسبة.
جهود وزارة الثقافة وتغييراتها الإيجابية مشهودة إلا في موقفها من الأندية الأدبية، فما نعرفه أن الإدارات المؤقتة لا تتجاوز عامًا غالبًا، فما عوائق هذا التعليق العجيب؟
الأندية الأدبية تجاوزها الزمن
ويعتقد الكاتب والمستشار الإعلامي د. خالد الخضري عضو نادي الطائف الأدبي سابقاً أن الأندية الأدبية قد تجاوزها الزمن وكان له مطالبات قديمة بتحويل مقراتها إلى مراكز ثقافية وقال:
أعتقد أن الأندية الأدبية قد تجاوزها الزمن من بداية الألفية الجديدة، وقد سبق لي أن كتب مقالات قبل أكثر من عقد من الزمان بأهمية تحويلها وتحويل مقراتها إلى مراكز ثقافية تشتمل على كافة مجالات الثقافة مثل السينما والمسرح والغناء والموسيقى، وأن تكون الكتابات الإبداعية والأدبية جزء منها، كقسم من الأقسام.
لكننا اليوم وقد قررت الدولة أن يتجه الراغبين في إنشاء جمعية تعاونية أدبية يتجهون لوزارة العمل لأخذ ترخيص لها، مثلها مثل باقي الجمعيات، والدولة اليوم تدعم كل الجمعيات عموماً بدعم رمزي، يتطلب منهم هم أيضاً بجمع اشتراكات من الأعضاء، وعمل الوسائل المساعدة التي تحقق لهذه الجمعيات دخلا ماديا لتحقيق الاستدامة والاستمرارية.
أما لو عدنا للأندية الأدبية فإنها كانت وما زالت تقدم أنشطة نخبوية ليس لها جمهور، وتصدر كتباً لا يقرأها سوى بعض أصدقاء مؤلفيها، بل إن مستودعاتها تكتظ بمئات الكتب التي أكلتها العثة كما يقال، لأن تلك الكتب لا توزع، لأن ليس لها قراء أساساً، وعندما تحول الأمر للانتخابات وتسيد عدد من الأكاديميين بمجالس إدارات الأندية حولوها إلى أقسام ثانية لكليات الآداب في جامعاتهم، وتحولت مرة أخرى إلى النخبة.
بل إن عدد من تلك الأندية اضطروا للاستعانة بدار نشر غير سعودية وعملوا معها شراكة لطباعة إصداراتهم، وطبعا المستفيد الأكثر في هذه الاتفاقية هو دار النشر لكونها تأخذ قيمة طباعة الكتاب كاملا من النادي الأدبي، طبعاً كي يتخلصوا من أزمة توزيع الكتاب الذي يظل شوكة في حلوقهم، وفي نهاية المطاف تقوم تلك الدار بتوزيع الكتاب فقط في معارض الكتب وقليل منها ما يتم توزيعه على المكتبات البارزة في السعودية فقط.
إذن حان الوقت لإغلاق هذه الأندية وأن تستفيد وزارة الثقافة من مقرات الأندية التي تملكت مقرات لتستفيد في مناشط فاعلة، وذات جمهور.
مراكز ثقافية شاملة
ويأمل الأستاذ مسعود بن فهد المسردي في تحويل الأندية إلى مراكز ثقافية شاملة تجمع الأطياف وقال : النوادي الأدبية ؛المتنفس الوحيد للمثقفين والأدباء في بلادنا، وكنا ننتظر بفارغ الصبر أن يرفع سقف الحريات في هذه النوادي، وأن تحول إلى مراكز ثقافية شاملة، تجمع الأطياف، وتوحد الصفوف الثقافية في أرجاء البلاد، وتدعم الأدباء وإبداعاتهم في شتى المجالات، وأن يزداد توهجها كما كانت في العقود الماضية.