أ.د.عثمان بن صالح العامر
من أصعب القرارات التي تتخذها أو تزمع على البت فيها تلك التي تخص أبناءك وبناتك، أحب الناس إليك، من تتمنى من كل قلبك أن يكونوا أفضل منك، تعتقد أنهم رأس مالك الحقيقي، ولذلك كثيراً ما تتردد في البت بكل قرار مفصلي يخصهم سواء في حياتهم العلمية أو العملية أو الأسرية أو المالية، تستشير، تستخير، تخاف من أن ما قطعت عليه سيكون - لا سمح الله - سبباً في تعبهم وربما تعاستهم في مستقبل حياتهم. تتصارع في داخلك العاطفية والعقلانية، وربما هُزمت جراء محبتك الزائدة التي نحت بك للعاطفة الجارفة فدفعتك لاتخاذ قرارات خاطئة ربما أسعدتهم سعادة وقتية ثم كانت العواقب مؤلمة محزنة للأسف الشديد. وعلى هذا فإن هناك البعض من أبناء الأمس آباء اليوم من يحمّلون آباءهم مسؤولية إخفاقهم في دروب الحياة المختلفة. في المقابل هناك من اتخذ قراره العقلي المدروس بعد أن فكر فيه وتأمل وقد يكون حينها أغضب من حوله ولكن كانت العواقب والنتائج مفرحة مسعدة للأبد.
إذا كان الأمر - أعني ترشيد القرارات الأبوية - مهماً فيما مضى فهو في عالم اليوم أشد أهمية وأكثر ضرورة، ذلك لأن معطيات الواقع وتحدياته صارت أصعب والمنافسة أقوى والفرص أقل خاصة في مجال التخصص العلمي والوظيفة. من الناحية الثانية من الأهمية بمكان أن يتدرب أبناؤنا وبناتنا على اتخاذ القرار الشخصي منذ نعومة أظفارهم فالحياة حقيقة هي مجموعة قرارات تتخذ، البعض منها مفصلي وهام جداً كقرار اختيار المسار العلمي والوظيفي وقرار اختيار الزوجة والمسكن والمركب وعلى ذلك قس، والبعض الآخر ربما يكون اتخاذه يأخذ الصورة التلقائية البسيطة لتكرره، وعدم وجود ما يترتب على اتخاذه من مستقبليات تؤثر بشكل مباشر على سكن واستقرار وسعادة المتخذ له. قد تكون بعض القرارات مؤلمة وقاسية على النفس أحياناً وربما العاطفة تجعل متخذها يتوجس ويتخوف من نتائجها ولكن يتجلد ويتصبر ثقة منه بأن العقل هو من يقوده إلى اتخاذها وإن كان فيها شدة وصعوبة في أول العمر، فقناعاته العقلية تقول له إن البداية القوية وإن كانت شاقة وصعبة تضمن بعد توفيق الله وعونه النهاية السعيدة، والعزيمة الفتية تكفل دوام الصحة أعواماً مديدة، فلا بد من عزيمة صادقة وقرارات حاسمة ووقفة محورية تعترف فيها بإشكالياتك الحياتية المستقبلية؛ وتعلن في ذات الوقت أنك في أمس الحاجة لاتخاذ قرارات مفصلية من أجل مستقبل أفضل لفلذات أكبادك، ويُرى ذلك في شدة انطلاقتهم وحماسهم، وبدون هذه البداية قد يتعثرون في النهاية بل قبل النهاية، وصدق الشاعر إذ يقول:
فقسا ليزدجروا ومن يكُ حازما
فليقْسُ أحيانا على من يرحم
ومن هذا الباب قد يقسو الأب على ابنه وهو صغير في سن التنشئة ليقيمه على الجادة، ويغرس في نفسه منذ الصغر ما يجهل الطفل حكمته في صغره ولن يعرف قيمته إلا عند كبره، وهذه القسوة هي عين الرحمة، وهذه الغلظة من ورائها أرق المشاعر، وإلا شاب الولد على ما شبَّ عليه) وفق الله الآباء والأمهات إلى اتخاذ قرارات تسعد أولادهم فلذات أكبادهم حين كبرهم، وأسعد الله الجميع فيما رزقهم من ذرية وإلى لقاء والسلام.