سهوب بغدادي
فيما نتعرض في عصرنا الحالي لسيل وافر من المؤلفات والمقالات في مصطلح الاحتراق الوظيفي وتنهمر الاقتراحات والحلول لإشكالية أصيلة الجذور المتشعبة، لا تحل في يوم وليلة أو شهر أو سنة، لذا يرتبط الاحتراق عادة على الصعيد المهني بالاستقالة الصامتة ثم الاستقالة التقليدية، والأسوأ من ذلك كله التسرب الوظيفي في المؤسسات. في هذا النسق، وقعت يدي على مؤلف فريد من نوعه ليس كبقية المؤلفات عن الإدارة والمديرين والقادة وبيئات العمل، إذ يتطرق الكتاب لخلق السلامة النفسية في مكان العمل للتعلم والابتكار والنمو، من خلال تقديم وصفة مجربة للازدهار في البيئات المركبة والديناميكية، وخلق الأمان النفسي لدى المنتسبين للمنظمات من خلال عدة معايير وأطر، وأتى الكتاب تحت عنوان «منظمة بلا خوف تهيئة الأمان النفسي في أماكن العمل للتعلم والابتكار والنمو» حيث قام الرائد في مجال الاستراتيجية على مستوى المملكة سعادة الدكتور سامي بن فتحي الدجوي بترجمة كتاب «آيمي س. إدموندسون» من اللغة الإنجليزية إلى العربية وراجعه سعادة الدكتور بركات بن مازن العتيبي، ليصبح إضافة ثمينة للمكتبة العربية المختصة في هذا الشأن، وكانت الفكرة السائدة لمفهوم الأمان النفسي في المنظمات تستقى من الصراحة وحرية التعبير وانعكاس الأمان عند التعبير عن إشكالية أو اعتراض على سير العمل أو سياسة المدير، فيتحتم أن تكون البيئة آمنة للدرجة التي تمكن الموظف من الانفتاح على الآخرين وإبداء مكنونات ذاته لتحسين جودة العمل، برأيي أن مشارف الاحتراق وخبوء جذوة الموظف تبدأ من الكتمان، لماذا؟ لأن الكتمان ينبع من الخوف، والأخير يعد أسوأ وأكثر شعور يطغى في حياة الإنسان، علميًا يرتبط الخوف بهرمون الادرينالين والذي ينجم عنه ارتفاع هرمون الكورتيزول، وهو هرمون التوتر الأساسي، إذ يؤثر هرمون الادرينالين على أهم أعضاء الجسم، مثل القلب والأوعية الدموية، والرئتين، والمثانة، خاصة في حالة زيادة مستوى هذا الهرمون في الجسم، لذلك نرى بعض الموظفين بعد فترة من الزمان مصابين بالسمنة والشحوب وغيرهما من الأعراض المصاحبة لهذه الهرمونات، وفي حالات متقدمة من التوتر والخوف تؤثر على صحة الإنسان النفسية ليدخل في دوامة الأمراض النفسية والاضطرابات كالاكتئاب ونوبات الهلع والقلق وما إلى ذلك، إن البيئة الآمنة نفسيًا ليست تلك التي تسودها اللطافة، أو بتقليل معايير التقييم والأداء، بل هي التي تصص مساحة كافية لارتكاب الأخطاء أثناء عملية التعلم والعمل والأهم من ذلك التسامح بعدها عدم حملها ضد الشخص كسقطة في سجله المهني، فمن من لا يرتكب الأخطاء شخص لا يعمل ولا يحاول الخروج من منطقة الراحة، كذلك تتميز البيئة الآمنة بتفهم الاختلاف والفروقات بين الأفراد والمواهب والقدرات التي وهبها الله لكل شخص، فتكون الوصفة الناجحة من خلال عدة معايير أبرزها: دعم التعلم المستمر والتطوير وحل المشكلات، وإشراك الموظف وتحفيزه لتنمية شعور الانتماء للبيئة، أيضًا من خلال دعم الابتكار والأفمار الحديثة والخلاقة، وأكثر من ذلك بكثير من خلال فصول الكتاب القيمة، إن ثقافة الصمت دارجة بشكل مخيف في بيئات العمل وتتصاحب مع الخوف لأسباب شخصية واجتماعية وبيروقراطية، فكم من منظمة علا صيتها وبدت براقة من الخارج إلا أن داخلها يعج بالفوضى وتنافر الأقطاب، وكم من منظمة غير معروفة تنعم بولاء لا مثيل له من موظفيها، يجب أن نعمل جميعًا نحو خلق منظمات بلا صمت وبلا خوف.