سارا القرني
منذ بدء الأزمة السودانية والعالم لا حديث له إلا عن تداعياتها وما ستؤول إليه الأمور، باعتبار السودان أهم بلد لتصدير العديد من الموارد الطبيعية المستخدمة في منتجات عالمية، وفي مقدمة العالم جاءت الدول الإسلامية والعربية كأكثر الدول اهتماماً لأنّ السودان دولة مسلمة عربية قبل كل شيء ويتألم لألمها كلّ بلدان العالم الإسلامي.
لكنّ دول العالم تفاوتت في اهتمامها بالأزمة السودانية بين باحث عن مصالح من خلال هذه الأزمة كالدول الغربية وأوروبا، وبين باحث عن حلول تُخرج السودان من معمعة الصراع وتنقذه من حرب أهلية وشيكة يكون فيها المواطن السوداني الضحية دون أدنى شك.
لكن الأمر كانت له أبعاد وتبعات أخرى، ففي السودان -كأي دولة- يوجد رعايا لكل من دول العالم تقريباً، وفي اللحظة التي سلطت فيها الحكومات اهتمامها بالنزاع وأطرافه؛ صبت المملكة العربية السعودية اهتمامها لإجلاء مواطنيها من أرض السودان إضافةً إلى دعوة أطراف النزاع إلى الجلوس على طاولة الحوار، فكل عمل عسكري لا بدّ له من تداعيات اقتصادية وبشرية وسياسية تؤثر بالمقام الأول على مواطني الدولة المعنية لينتقل أثرها إلى كلّ دولةٍ تربطها فيها علاقة، وهذا التناحر السوداني-السوداني.. لا يبشر بخير على الإطلاق.
في صلب الموضوع.. ومنذ بداية الأزمة السودانية قامت المملكة بعمليات إجلاء لرعاياها إضافة إلى رعايا دول العالم الذين قال بعضهم وبالحرف الواحد «لقد تخلت عنا حكوماتنا ووجدنا الأيادي السعودية البيضاء ممتدة نحونا لتنقذنا»، وهذه الكلمات ستُكتب بماء الذهب على مرّ العصور امتداداً لما سطّره التاريخ عن تاريخ المملكة المشرف، ومنذ بدء الأزمة حتى يومنا هذا لا زالت عمليات الإجلاء مستمرة بحراً وجواً، وجسور الإغاثة ممتدة لا تنقطع، ويد العون لكلّ من يطلب عوناً موجودة، وهي منذ الأزمة أجلت أكثر من 8 آلاف بين مواطن ورعايا لدول مختلفة في العالم، بل وقامت باستضافتهم على نفقتها في الفنادق ومختلف المدن.
وبينما تتوالى الإشادات من دول العالم تعبيراً لامتنانهم عن الدور السعودي الجبار في عمليات الإجلاء والمحافظة على الرعايا، فقد كان المطلوب من إعلامنا تسليط الضوء على هذه القضية المهمة بأكثر مما حدث، فمئات الجنود السعوديين من القوات البحرية وغيرها.. غامروا بأرواحهم وأنفسهم إنفاذاً للأوامر والذهاب إلى السودان -منطقة النزاع- لإجلاء الرعايا، هؤلاء الجنود الذين أقسموا على الولاء لوطنهم وبالتأكيد واجهوا المخاطر تلو المخاطر لتنفيذ العمليات وإجلاء الرعايا بأمان، لكنّ عدسة المصوّر لم تلتقط إلا صوراً من رصيف الميناء، وكاميرا التلفاز لم تكن حاضرة إلا في برّ الأمان.. لينال جندي أو اثنان إشادات واسعة للقطات مؤثرة جميعنا نفخر بها لأننا سعوديون وأيّ جندي هو مثال مشرف لوطنه، لكن حين تذهب كلّ الإشادات لجندي يحمل شيخاً بالميناء، أو لجندية تحمل طفلة، أو لورود تُوزع وابتساماتٍ للاستقبال، بينما لا نتذكر من ضحى بنفسه فداءً لأرواح الآخرين، فهو التقصير بحد ذاته.
أنا متأكدة أنّ لكلّ جندي ذهب إلى السودان قصة وقصتين وثلاث، ومتأكدة أكثر أنّهم لا ينتظرون منا ثناءً ولا ردّ جميل، لكننا بدورنا لا بد أن نتذكرهم وصاحب الفضل يُذكر فضله فيُشكر، لذلك أقول بنفسي شكراً لكل جندي في البحرية وغيرها.. ذهب بنفسه وتعرض للمخاطر تلبيةً لنداء الواجب، لكم الفضل الأكبر بأن العالم يتحدث عنا بهذا الفخر الكبير.