د.علي آل مداوي
لا شك بأن المملكة العربية السعودية وجمهورية السودان الشقيقة تربط بينهما علاقات تاريخية متجذرة، فهي دولة جارة وعربية الهوية، ودولة إسلامية وكذلك هناك تعاون ثنائي مشترك وتبادل المصالح، ووجود اتفاقيات واستثمارات الإمكانات والمقدرات الكبيرة البشرية والمادية بين البلدين الشقيقين.
وانطلاقاً من مكانة المملكة منذ تأسيسها وصفتها دولة محورية على مرتكزات أساسية من أهمها: الإسهام في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، والسعي إلى حل النزاعات بالطرق السلمية، تواصلت مع أطراف النزاع السوداني، لإيمانها العميق بضرورة وأهمية المحافظة على استقرار وأمن أهل السودان وحمايتهم.
فقد جدّدت تأكيدها لدعم دولة السودان والوقوف بجانب الدولة الشقيقة في كل المواقف والأوقات، وتعهدت باستمرار مساعيها الداعمة له حتى تتجاوز «الظروف الاستثنائية» التي تمر بها، وسوف أكتب بتفصيل عن جهود المملكة الرامية لتسوية النزاع في السودان ووقوفها مع الدولة الشقيقة.
محادثات في جدة
ولعبت الدبلوماسية السعودية دوراً مهماً في إحياء العملية السياسية الجارية في السودان فقد اتجهت الأنظار إلى مدينة جدة التي احتضنت مباحثات بين القوات المسلحة السودانية الذي مثله وفد الجيش وثلاثةُ ضباط وسفير وقوات الدعم السريع فيمثله ثلاثة ضباط فقط بمبادرة سعودية أميركية.
حظي الحراك الدبلوماسي السعودي لاستضافة محادثات جدة بدعم خليجي وعربي وإسلامي بما يحافظ على مقدرات ومكتسبات الشعب السوداني، فالوساطة جاءت في توقيت مهم جداً وحظيت كذلك بدعم كامل من المجتمع الدولي لضمان عدم تصاعد الصراع بين الأطراف المتنازعة، واحتواء الأزمة السودانية وبسط الأمن والسلم في كافة أرجاء دولة السودان.
وقد رحّب سمو وزير خارجيتنا «بوجود ممثلين من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في مدينة جدة، للحوار حول الأوضاع في وطنهم». وقال إنه يأمل أن يقود الحوار بين الجيش السوداني والدعم السريع الجاري في مدينة جدة إلى «إنهاء الصراع وانطلاق العملية السياسية» وعودة الأمن والاستقرار إلى السودان.
وأضاف سموه في تغريدة أخرى، أن «هذه الاستضافة هي نتاج تكاتف دولي تمت بجهود حثيثة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبالشراكة مع دول المجموعة الرباعية وشركاء من الآلية الثلاثية».
وترحيب من القوى المدنية
كما رحبت القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري بمباحثات جدة التي تأتي ضمن المبادرة الأميركية السعودية، «وأعربت عن أملها في أن تقود لوقف للقتال ومعالجة الأوضاع الإنسانية بما يمهد الطريق لحل سلمي سياسي مستدام». واعتبرت، في بيان، «أن هذه المباحثات تشكل خطوةً أولى لوقف الانهيار المتسارع الذي شهده السودان منذ اندلاع الحرب منتصف إبريل الماضي».
استمرار عملية الإجلاء
ولا زالت بلادي مستمرة بجهود مبذولة في عمليات إجلاء مواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان إلى جدة، وبذلك يصل إجمالي من تم إجلاؤهم من السودان منذ بدء عمليات الإجلاء نحو 8498 شخصاً (278 مواطناً، ونحو 8220 شخصاً ينتمون لـ 110 جنسيات)».
الحملة الشعبية عبر منصة «ساهم»
وإنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظهما الله -، أطلق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الحملة الشعبية عبر منصة «ساهم» لمساعدة الشعب السوداني الشقيق وفقاً لوكالة أنباء واس.
ترحيب خليجي عربي
بعقد المحادثات في جدة
ورحب جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، بالمبادرة المشتركة للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، ببدء المحادثات الأولية بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، التي، عقدت في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.
وثمن «البديوي»، الجهود والمساعي الحميدة التي تبذلها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية مع جميع الأطراف، لتهيئة الأرضية اللازمة للحوار وخفض مستوى التوتر، بما يضمن أمن واستقرار السودان وشعبه الشقيق، ويسهم في تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.
وأشاد أمين عام مجلس التعاون، بالجهود الكبيرة التي بذلتها المملكة ونجاحها في تنفيذ واحدة من أكبر عمليات الإجلاء الإنسانية من السودان رغم خطورة الأوضاع الصحية، وبالجهود الإغاثية والإنسانية التي أطلقتها دول المجلس لمساعدة الشعب السوداني في هذه الأزمة.
وفي ذات السياق قال أبو الغيط إن المبادرة السعودية الأميركية الهادفة إلى التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في السودان تستحق الدعم. وكرر في كلمته بالاجتماع مناشدته التمسك بهذه الفرصة وتغليب مصلحة البلاد والانخراط الجدي في المحادثات بما يعيد الاستقرار إلى السودان ويحفظ مؤسساته من الانهيار. كما أضاف: «أرى أنه لا يجب السماح بأن يستفحل الصراع الحالي أو أن يتحول، بفعل التدخلات أو حتى بدونها، إلى جولة أولى في حرب تقسم السودان إلى أقاليم متناحرة، وتجعل منه ساحة لمعارك تهدد وجوده، وسيادته ووحدته الإقليمية»، وفق نص كلمته الصادر في بيان عن الجامعة.
اجتماع استثنائي لمجلس الجامعة العربية
وكشف الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، عن تشكيل لجنة تتكون من السعودية ومصر والأمين العام للتواصل مع أطراف النزاع في السودان والمجتمع الدولي.
ترحيب دولي واسع
كما رحبت الأمم المتحدة بالمبادرة التي طرحتها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لعقد مباحثات مباشرة بين ممثلين لطرفي النزاع السوداني في مدينة جدة السعودية.
كما أعرب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، معالي السيد حسين إبراهيم طه عن ترحيبه بالمبادرة المشتركة للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية ببدء المحادثات الأولية بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وممثلي قوات الدعم السريع، في مدينة جدة.
وفي ذات السياق أعرب أعضاء الآلية الثلاثية «الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية والأمم المتحدة» والمجموعة الرباعية «المملكة والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة» عن ترحيبهم بإعلان وقف إطلاق النار في السودان. بموافقة الجيش وقوات الدعم السريع على تمديد وقف إطلاق النار لمدة اثنتين وسبعين ساعة إضافية.
البرهان يشكر المملكة على دعم
أمن واستقرار السودان
وأعرب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في جمهورية السودان الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، عن «بالغ شكره وتقديره لما يقوم به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظهما الله- تجاه دعم أمن واستقرار جمهورية السودان الشقيقة».
و «حميدتي» يشكر المملكة
كما قدّم قائد قوات «الدعم السريع» شبه العسكرية في السودان محمد حمدان دقلو، المعروف باسم «حميدتي»، «الشكر للمملكة على استضافة المباحثات السودانية، معرباً عن أمله في أن تحقّق أهدافها».
واشنطن: تؤكد أن
السعودية «شريك مهم»
وأشادت الخارجية الأميركية، بما وصفته بـ»دور كبير» تقوم به السعودية في تسهيل «المحادثات الأولية» الجارية في مدينة جدة، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، معتبرة أن الرياض «شريك مهم» لواشنطن في الشرق الأوسط.
وقال نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، خلال إيجاز صحافي يومي، إن الرياض شريك مهم في منطقة الشرق الأوسط «التي تمتلك فيها الولايات المتحدة مصالح متعددة، سواء كانت مصالح أمنية أو مصالح تجارية». وأشار إلى أن السعودية تلعب دوراً مهماً في نزاعات مثل الأزمة في كل من السودان واليمن، مضيفاً «لقد لعبوا أيضاً دوراً مهماً عندما زار الرئيس جو بايدن، جدة، في يونيو الماضي».
كما لفت إلى «الدور الهائل» الذي لعبته السعودية في «الترحيب بالمواطنين الأمريكيين الذين يبحثون عن الأمان من السودان».
وفي ذات السياق شكر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان اثناء زيارته الرياض، سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، على الدعم الذي قدمته السعودية لرعايا الولايات المتحدة، خلال عملية الإجلاء من السودان، بحسب بيان البيت الأبيض.
تداعيات الأزمة السودانية
ولا شك أن اشتعال الحرب الأهلية الداخلية وآثار الصراع الداخلي المحتدم المباشرة التي يكابدها طرفا النزاع العسكري السوداني، من المتوقع أن تمتد تداعياته وآثاره إلى دول الجوار خصوصاً إذا لم يتم احتواؤها، وتتوفر إزاءها أيضاً مقومات الحرب الإقليمية، إذ يرافقها نضوب مقومات السلم والأمن، وعليه فإن امتداد تأثيرها، ربما ينبئ بحرب أكبر مدى وأكثر اتساعاً.
ختاماً تواصل المملكة جهودها باحتواء الأزمة السودانية وإيجاد تسوية من اللحظة الأولى، بهدوء واتزان، ونجحت مبادرتها الأولية في وقف إطلاق النار المؤقت بين أطراف النزاع، ودورها الحيوي في إجلاء المواطنين السعوديين والآلاف كذلك من بعض رعايا الدول الشقيقة والصديقة في أكبر عملية إجلاء إنسانية عالمية شهد لها العالم بأسره، ويشهد كذلك العالم بدورها المحوري في تعزيز الأمن والسلم الدوليين.