د.غسان علوان
بنهاية عام 2019م، قامت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله بتقديم لائحة إصلاحية جديدة تخص قطاع التعليم العالي، حيث تم بموجبها تأسيس مجلس شؤون الجامعات عوضاً عن مجلس شؤون التعليم العالي. اللائحة الجديدة أعطت المجلس الجديد الصلاحية برفع توصيات لمجلس الوزراء بفتح فروع للجامعات الأجنبية في المملكة وفق شروط وضوابط يحددها المجلس.
السياسة الجديدة التي اعتمدتها الحكومة حيال فتح فروع للجامعات الأجنبية في المملكة أستحوذت على اهتمام الرأي العام السعودي الذي أبدى اهتمامه لفكرة وجود فروع للجامعات الأجنبية في المملكة وخصوصاً تلك المتميزة منها مما سيكون له أكبر الأثر في تشجيع التنافس العلمي والبحثي بين الجامعات الموجودة بالمملكة وينمي من قدراتها. وتسعى السياسة الجديدة إلى تعزيز وتنويع التعليم الجامعي والبحث العلمي بالمملكة مما يسمح للطلبة داخل المملكة ومنطقة الشرق الأوسط وغيرها بالتوجه للدراسة بالمملكة واكتساب تجرية دراسية جديدة، إضافة إلى ما يترتب عنه من خلق قطاع جامعي جديد ومنافس وحيوي يستطيع أن يضيف إلى الاقتصاد ويدعم رؤية 2030 التي تنادي بتنويع قاعدة الاقتصاد وبناء قدرات بشرية قادرة ومؤهلة للقطاعات الجديدة والواعدة في المملكة.
وحيث إن السياسة الجديدة تعد واعدة من حيث الشكل والمضمون، إلا أن الإجراءات الخاصة بحوكمتها تحتاج إلى دراسة متأنية من قبل المجلس العتيد وذلك من أجل النظر في أفضل الأطر الإدارية لحوكمة عمل فروع الجامعات الأجنبية داخل المملكة ومنها تقييم مخاطر المساءلة، والامتثال لقواعد الحوكمة، والإقامة ومتطلباتها، وحقوق الموظفين، والضرائب وغيرها. وتأتي المخاطر التي قد تنجم عن فتح فروع للجامعات الأجنبية بالمملكة بطرق وأشكال متنوعة، تشمل إطار التوظيف في الفروع والقوانين التي ستخضع لها. وللاستجابة لهذه المخاطر، هنالك عديد من الأسئلة عن المجلس الجديد للإجابة عليها ومنها هل موظفو المقر الرئيس المنتقلون للفرع سيخضعون لقوانين المملكة أم ستطبق عليهم ما تمليه عقودهم الأصلية؟ هل سيكون هنالك عقود توظيف جديدة بالفرع ولكافة فروع الجامعات الأجنبية العاملة بالمملكة؟ وهل ستخضع هذه لنظام العمل السعودي أو لقانون الدولة التي يتبعها المقر الرئيس للفرع؟ هل الموظف السعودي بالفرع سيخضع لنظام العمل السعودي أو ما يفرضه عقد التوظيف المنبثق عن المقر الرئيس؟ كيف سيتم التعامل قانونياً مع أي تقاضٍ في المستقبل وما هي المحاكم التي ستنظر بها؟
ولضمان تحقيق أهداف السياسة الجديدة الخاصة بفتح فروع للجامعات الأجنبية في المملكة، نوصي مجلس شؤون الجامعات الجديد بتأسيس هيئة أو وكالة شبه حكومية تتبع المجلس نفسه للوقوف على كافة جوانب الحوكمة الخاصة بعمل الفروع وتكون هذه الوكالة المرجع الوحيد لكافة فروع الجامعات الأجنبية في المملكة كجهة رسمية تسمح بالترخيص لهذه الفروع، وتقوم بمراقبة درجة الامتثال وجودة مخرجات التعليم لديها، وتقدم لمجلس شؤون الجامعات الإحصائيات الخاصة عن القطاع الجامعي للفروع الأجنبية يشمل أعداد الطلبة المسجلين، والبرامج الدراسية، والممارسات الإدارية الخاصة بهم، والقضايا التنظيمية وغيرها مع رفع التوصيات للمجلس بما يخدم هذا القطاع الجديد والواعد.
وتعد عملية جمع البيانات الخاصة بأنشطة الفروع والبرامج الدراسية المقدمة من قبلهم وتحليل تلك البيانات من صميم عمل الوكالة المقترحة. وتتطلب هذه العملية الاعتماد على مبادئ تعكس تقييم درجة المخاطر لأنشطة الفروع والتنظيم المتناسب مع ضوابط وأنظمة الحوكمة المتبعة لديهم وتلك المنبثقة عن الوكالة. ونقترح في هذا السياق الابتعاد عن بيروقراطية العمل الحكومي وما قد يترتب عنه من بطء في ديناميكية وسرعة عمل الوكالة، كما نوصي أيضاً بأن تتمتع الوكالة بنوع من الاستقلالية في عملها بحيث تتبع مباشرة للوائح المرعية في تنظيم شؤونها وأعمالها بما لا يخالف الإطار العام للقوانين واللوائح المتبعة بالمملكة.
وتحتاج الوكالة في عملية التقييم والمراقبة لأنشطة الفروع إلى الاعتماد على التحليل القائم على الأدلة كإجراء أساسي للتأكد من مدى امتثال الفروع لقواعد الحوكمة ودرجة المخاطر المرتبطة بها وخصوصاً ما يتعلق بجودة مخرجات التعليم، ومدى تأثيرها في الطلبة وعلى قطاع التعليم الجامعي ككل في المملكة. وتهدف عملية التقييم إلى التأكد من مدى وفاء الفروع بإلتزاماتهم فيما يتعلق بعمليات تسجيل الطلبة، ودخول وخروج الطلبة من المملكة، وقواعد الحوكمة الخاصة بالفروع وغيرها مما هو صادر عن الوكالة ومدى الالتزام بها. وتحتاج الوكالة أيضاً إلى النظر في إصدار لوائح حوكمة متناسبة للفروع في حال ثبوت عدم الامتثال لبعض أو لكل لوائح الحوكمة وذلك بهدف تقليل نسبة المخاطر المترتبة على عدم الامتثال، ولهذا ينبغي للوكالة أن تتبنى نهجاً عصرياً وجديداً في التعامل مع الفروع يرتكز على تأسيس علاقات إيجابية وبناءة معهم تقوم على مبادئ الاحترام المتبادل والتعاون والقيم المشتركة.
ومن أجل تحقيق أفضل فائدة لنهج فتح فروع للجامعات الأجنبية بالمملكة، على صانعي سياسة التعليم العالي الابتعاد عن بيروقراطية العمل الحكومي والانفتاح على مقاربات سوق التعليم الدولي من خلال القيام بخطوات ملموسة وجادة في هذا الشأن منها العمل على إصلاح نظام الإقامة الحالي الخاص بالطلبة الدوليين الدارسين بالمملكة وإنشاء نظام عصري يستند إلى تشريعات جديدة منظمة لذلك بالتعاون والتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية، وتشمل الخطوات أيضاً تشريع وحوكمة حقوق الموظفين الأجانب بالفروع والضرائب وغيرها. ولحوكمة أفضل لعملية استقطاب طلبة دوليين للمملكة، على صانعي سياسة التعليم العالي النظر بتطبيق نظام يسمح بإصدار قبولات جامعية أكثر حداثة في الشكل والممارسة بحيث تكون تحت منصة واحدة ترتبط من خلالها جميع طلبات إصدار القبولات من كافة الجامعات داخل أراضي المملكة بنظام إقامة موحد للطلبة الدوليين مما يسمح لهم بالحصول على التأشيرة الدراسية أو الإقامة المؤقتة بكل يسر وسهولة ويضمن للوكالة احتواء قاعدة بيانات متكاملة عن كافة الطلبة الدوليين والفروع لأغراض البحث والإحصاء والتحري. وأخيراً أوصى مجلس شؤون الجامعات بضرورة وضع آليات حوكمة جديدة تخص الكيفية التي سيتم من خلالها الإشراف على عمل فروع الجامعات الأجنبية والنظر في الطرح المقدم في هذا المقال لتحقيق الأهداف المرجوة من هذه السياسة وبالشكل الذي سيضمن للمملكة وجود قاعدة صلبة لقطاع جامعي حيوي ومتميز يعتمد على فرص البحث العلمي والابتكار في منطقة الشرق الأوسط وعلى مستوى العالم.
** **
- الملحقية الثقافية السعودية في أستراليا