علي الخزيم
كان من دواعي المزيد من السرور بالصغر زيارة منزل شقيقي الأكبر، إذ إن بالجوار طفلا ظريفا هوايته جمع وتربية النمل بأنواعه، وما أن نصل إلى هناك نتَّجه إليه لنشاهد الأعداد المتزايدة والأنواع الجديدة، والغرف الكرتونية الصغيرة التي جعلها كالمأوى لها؛ وكنا نتعجب من معرفته بأذواقها وطباعها واختلاف أطعمتها بين رز وخبز وسكر ونبات اخضر، وأضحكنا ذات مرة حين قرع الباب وخرجنا إليه؛ وإذا به يسأل عن نملة من نوع يُسمى هنا بنجد (القِعْس) وقد نَدَّت عن القطيع أو المجموعة، ويزعم أنها دخلت بيت أخي فهو يُطالِب بها وعلى عجل! تذكرت ذاك الطفل وسألت عن حاله الآن ممَّن يعرفه؟ فقيل: إنه ما زال بين الحيوانات الأليفة والسَّحالي وطائفة من الحشرات ربما من أحفاد (قِعْسه الشَّرود) يتكسَّب بها!
تذكرت الواقعة حين قرأت عنواناً صحفياً يشير إلى أن فتىً قد افتتح محلاً لبيع النمل، ولم يأخذني العجب فصاحب (القِعْس) قد أشبع الفضول مسبقاً، غير أن المتجر المُعلن عنه لا يبيع بالرأس؛ بل مستعمرات النمل والأدوات اللازمة للتعامل معها كفرزها وإطعامها، وأسعارها لا تقبل التساوم؛ ويبرر ذلك بأنه ليس من السهل اصطياد هذه الحشرات، فهو يجتهد بتحرِّي أوقات ظهورها بكثرة وتجوالها كموسم التزاوج، ويعزو الشاب حُبّه للنمل لأنها (رحيمة ودودة مثابرة)! وتقول دراسات متخصصة إن الحشرات تساوي نصف الكائنات الحية المعروفة على وجه الأرض، ويُرجعون ذلك إلى أن الله سبحانه قد متّع هذه المخلوقات بالقدرة على التكيُّف والتأقلم مع أي بيئة تحيط بها مما يساعدها على كثافة وسرعة التكاثر وتنوع سبل حياتها، وهذا سر أودعه الخالق بها إذ إن لها دورا بالغ الأهمية بالنظام البيئي الداعم للحياة، وإن منها فصائل مفترسة تلتهم الديدان وحشرات أخرى، وقَمَّامة وظيفتها تحليل بقايا الكائنات الحية (لتكتمل دورات عناصر الشبكة الغذائية للحياة) برأي المختصين، وعَلِمت ان ثمَّة مَتاجِر هنا متخصصة بتسويق أنواع نادرة من الحشرات والديدان مع ضمان التوصيل للراغبين الهواة او لأغراض الزراعة كتلك التي تساعد للتخلص من الحشرات المُسببة لتلف المحصول او للتوازن البيئي داخل الحقل.
وإن تتعجَّب من هذا فإليك الأعجب؛ إذ يزعم بعضهم أنه يضمن لك حشرات ذات سلالات وأعراق وجذور غاية بالأصالة، ويبدو - والله اعلم - أن هؤلاء المُروّجين للحشرات قد بلغ بهم هاجس العنصرية مبلغاً بعيداً حتى انسحب على حشراتهم، ومما يُعجب غير المتخصص أن خنافس صغيرة ملونة زاهية كالتي تظهر أيام الربيع بالمنطقة الشمالية بالمملكة وغيرها ولها كذلك رائحة عطرية تماثل زهور الربيع؛ تباع للهواة لتجميل حدائقهم، والمال يُغرِي ويفتق الذهن لطرق التربّح؛ فقد ابتكر بائعو الحشرات لعبة (الحشرة المتحركة) وهي نموذج كهربائي كبير الحجم لمحاكاة بعض الحشرات لتسلية الصغار بالحدائق والملاهي، وأخيراً فإن من أعجب ما يمكن أن تعرفه أن العناكب (ذات وجه الغول) معروفة عند علماء الحشرات بقدرتها على الرؤية السليمة بالظلام بأفضل 2000 مرة من الإنسان بالنهار، كما يمكنها وهي بلا آذان سماع الأصوات بكل تردداتها!