فضل بن سعد البوعينين
تشن المملكة حربا لا هوادة فيها على المخدرات، وتلاحق المهربين والمروجين والمتعاطين لتجفيف مستنقعها، وتوعية المجتمع بمخاطرها. لم تتوقف الحرب يوما على المخدرات، غير أنها اتسمت بالشمولية والتكامل بعد إطلاق الحملة الوطنية الأمنية لمكافحة المخدرات في جميع مناطق ومحافظات المملكة، بتوجيه ومتابعة وإشراف من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
سلامة المجتمع، وحمايته من المخاطر المختلفة، وفي مقدمها مخاطر المخدرات، من متطلبات رؤية المملكة 2030 الهادفة إلى تحقيق مستقبل أفضل للمجتمع وإرساء قاعدة التنمية وتحسين جودة الحياة وتعزيز الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. فلا يمكن تحقيق التنمية الشاملة، وإعادة بناء الاقتصاد على أسس من التنوع والإبداع والابتكار والاستدامة بمعزل عن أهم أدوات النجاح المتمثلة في مكونات المجتمع البشرية وحمايتها من المخاطر المدمرة. استهداف المجتمع، من أكثر أدوات التدمير المؤثرة، والمقوضة للتنمية الاقتصادية، وأمن الوطن، وتجارة المخدرات أحد أخطر أدوات التدمير الموجهة التي تتبناها بعض الدول والمنظمات والأجهزة الاستخباراتية ضد الدول المستهدفة، وأحسب أن المملكة في مقدمة تلك الدول المستهدفة، عطفا على حجم المخدرات وأنواعها المصدرة لها بطرق تهريبية محترفة، يغلب عليها الطابع الاستخباراتي المنظم، لا التجاري المنعزل. يمكن لمنظومة تجارة المخدرات أن تشكل طابورا خامسا يسعى لتقويض الأمن والاستقرار، بالإضافة إلى تدمير المجتمع من الداخل، واستنزاف موارده، ولعلي أشير إلى حرب الأفيون بين بريطانيا والصين، وما تسببت به من أضرار كبيرة للصين دفعتها لمواجهتها بكل ضراوة لحماية المجتمع والاقتصاد الصيني من تداعياتها المدمرة.
تشير بعض الدراسات المختصة إلى وجود علاقة وثيقة بين الإرهاب وتجارة المخدرات؛ التي باتت توفر التمويل المستدام للمنظمات الإرهابية، إضافة إلى قيام بعض مروجي المخدرات بتمويل الإرهابيين بالمال أو الأسلحة وتوفير الدعم لهم، في مقابل حمايتهم وتمكينهم من تهريب المخدرات عبر الحدود. وأعظم من ذلك اعتماد بعض الجهات الاستخباراتية على تجارة المخدرات لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ عمليات استخباراتية قذرة تتعارض مع المعايير الدولية، والقوانين الحكومية الضابطة لعملياتها الاسخباراتية، حيث توفر موارد تجارة المخدرات، تمويلا بديلا للعمليات الاستخباراتية المنفذة خارج النظام، والفاقدة للمعايير القانونية والأخلاقية.
كما أن العلاقة بين تجارة المخدرات وجرائم غسل الأموال وثيقة. غسل عشرات المليارات سنويا يحتاج إلى أشخاص يمتلكون المال والأعمال والوجاهة التي تُستخدم كغِطاء للتدفقات المالية الضخمة. تتبع القيود المالية تُفضي إلى المصدر وإن تعرضت للتمويه والإخفاء تحت غطاء عمليات إغراقية معقدة. باتت عصابات الجريمة المنظمة تدير قطاعات اقتصادية مهمة لتغطية عملياتها الداخلية والدولية. فوقوف العصابات المنظمة، وربما جهات استخباراتية خلف تهريب هذه الكميات الضخمة من المخدرات إلى السعودية يشير إلى الروابط المالية واللوجستية بين عصابات الخارج والداخل. الرقابة المالية الاحترافية وغير التقليدية يمكن أن تكشف عن شبكات تهريب وترويج المخدرات في الداخل، وعلاقاتها بعصابات تجارة المخدرات في الخارج.
التنمية الشاملة من أهم أدوات القضاء على المخدرات، والحد من انتشارها، وهو ما تسعى الحكومة لتنفيذه في جميع مناطق المملكة. توفير متطلبات العيش الكريم، وفرص العمل، والارتقاء بالمجتمعات، وتنمية الأحياء الفقيرة التي تُعتبر مركزاً لتعاطي وترويج المخدرات، وعدم السماح بانتشار الأحياء العشوائية، أو إهمال الأحياء التي نزح عنها سكانها، كي لا تتحول إلى أوكار تفريخ للمتعاطين والمروجين، وتجفيف السوق من العمالة المخالفة التي امتهنت الترويج للمخدرات من أدوات المكافحة الرئيسة، إضافة إلى إنشاء مصحات علاج المدمنين ونشرها في مناطق المملكة وتحقيق الكفاية والكفاءة فيها، وبمشاركة من القطاع الخاص وفق منظومة المسؤولية المجتمعية.
الكشف الطبي الإلزامي في مراحل التعليم المختلفة، طلب الزواج، والعمل قد يساعد كثيراً في وقف نمو شريحة متعاطي المخدرات خشية افتضاح أمرهم، أو فقدانهم فرص التعليم والزواج والعمل، ما يجعلهم أكثر حرصاً على تجنبها، وأكثر معرفة بالمخاطر المتوقع مواجهتها مستقبلاً.
خلال فترة قصيرة، وبجهود مشتركة، أثبتت الجهات الأمنية قدرة فائقة في التعامل المحترف مع تجارة المخدرات، وعملياتها المعقدة، وأساليبها المختلفة، وهي جهود مباركة تحتاج دائما إلى جهود تكاملية من جميع مكونات المجتمع، والقطاع الخاص ووفق إستراتيجية وطنية دائمة، قادرة على تحقيق هدف حماية الوطن، والمجتمع، من خطر المخدرات المدمر.