قال الناقد حسين بن صالح القحطاني:
يُخطئ من يكرِّس -وبتعميم فج- لمقولة (كبار الفنانين لا يغنّون للشعراء إلا بمقابل مادي باهظ)، فلو كان الأمر كذلك لما تم غناء قصائد شعراء متميزين رحلوا من هذه الدنيا ولم يكونوا أثرياء من قبل فنانين معروفين على النطاق العربي الواسع من ذلك غناء الفنان ماجد المهندس لقصيدة الشاعر سعد بن جدلان - رحمه الله:
ودّنا بالطيب بس الدهر جحّاد طيب
كل ما تخلص مع الناس كنك اتغشّها
يدك لا مدّت وفاء لا تحرّى وش تجيب
كان جاتك سالمه حب يدك وخشّها
كل ما شبّيت نار المحبه مع حبيب
قام يسحب في مشاهيبها ويرشها
كل ما واجهت لك بالزمن وجهٍ غريب
مثل ما قال المثل دام تمشي مشّها
ذمةٍ ماهي بتندان للحق المصيب
جعل قشّاش الحطب لا سرح يقتشّها
والأمر نفسه ينسحب على قصيدة الشاعر مساعد الرشيدي -رحمه الله- التي غنتها الفنانة أحلام:
حزين من الشتاء والاّ حزين من الظما يا طير
دخيل الريشتين اللي تضفّك حل عن عيني
دخيل الماء وملح الماء وحزن الما قبل ما تطير
تهيا للهبوب اللي تصافق في شراييني
دخيل الغصن والظل الهزيل وهفهفات اعصير
دخيلك لا تشح بنجمتك والليل ممسيني
ترفرف يا فقير الريش ضيقه والنهار اقصير
علامك كل ما ليّل جناحك جيت ساريني
انا ماني بخير وجيت يمّي وانت ماانت بخير
وانا يا طير فيّْ من الهجاد اللي مكفيني
ترى لو شفت لي ظل ومهابه في عيون الغير
ترى كل الزهاب اللي معي جرحي وسكيني
ومما سبق نخلص إلى التالي:
أولاً: الإبداع هو سيّد الموقف -ولا يصح إلا الصحيح- ولطالما غنّى كبار الفنانين قصائد ضعيفة -لأسبابهم- ذهبت مع الريح وتلاشت ولم تشفع لبقائها أصوات الفنانين وألحانهم ولم ترتق تلك القصائد -إن جاز التعبير- للذائقة العادية ناهيك عن الرفيعة.
ثانياً: في مثل هذا الأمر يجب المكاشفة والوضوح -لأن الرصد أولى خطوات العلاج- فالأغنية بأضلاعها الثلاثة (القصيدة، الصوت، اللحن) تعني شريحة كبيرة من الناس ويجب أن تكون الصورة جلية لهم، فهل أصبح بعض الشعراء الشعبيين المتوفين أجمل شعراً من بعض الشعراء الذين لا يزالون على قيد الحياة؟!
ثالثاً: هذا لا يعني أنني أتطرق لتفاصيل أخرى شائكة ليست من صميم طرحي الموضوعي هنا (مثل بيع القصائد المغناة بدليل بصمة الشاعر فلان في قصيدة الشاعر فلان) فهذه قضية أشخاص ولبست قضية شعر ثم أنه لم يعد يخفى الناس ما يدور في دهاليز بعض الأغاني وهذا الأمر ليس بجديد على كل منصف صادق مع نفسه أولاً قبل الآخرين.