عبده الأسمري
ما بين متون «التاريخ» بوقع التخصص وشؤون «الترسيخ» بواقع الاختصاص استقامت «سيرته» صرحاً أمام دوائر «المعرفة» ونطقت مسيرته «بوحاً» في مدارات الثقافة.
انطلق فارساً يرصد المهارة في ميادين «الوسطية» ويحصد الجدارة في مضامين «المهنية» موظفاً «استثمار» «التنافس» قاطفاً من «ثمار» التفوق.
سكب «العبارات» حبراً ملبياً نداء «التأليف» وسبك «العبرات» جبراً حاصداً أصداء «الألفة» وكسب «الخيرات» دهراً غانماً عطاء «الائتلاف».
رفع الشعر إلى «هامة» الإبداع وارتقى به إلى «همة» الإمتاع ونازل به «مهمة» الانتفاع فتجلت في قصائده «إضاءات» اليقين و»إمضاءات» التمكين محولاً الأبيات إلى «لبنات» تبنى بها «صروح» اللغة العربية و»خطابات» تنصر بها قضايا الأمة الإسلامية.
إنه المؤرخ والشاعر أمين عام جائزة الملك فيصل العالمية الأسبق الدكتور عبد الله الصالح العثيمين رحمه الله أحد أبرز المؤرخين والأدباء والأكاديميين في الوطن والخليج.
بوجه قصيمي الملامح تملؤه علامات «الفطنة» وتؤطره سمات «الحكمة» وتقاسيم خليطة بين الود والجد شبيهة بوالده متشابهة مع أخواله ومحيا عامر بالزهد وعينين تنبعان بنظرات الإنصات ولمحات التروي وشخصية سخية الأخلاق تتصف بلطف المعشر وطيب القول وجمال الحديث وسلاسة الأسلوب وبلاغة اللفظ تتوارد من منبع إنساني ونبع مهني مفعم بالمروءة والشهامة والأصالة وكاريزما تتقاطر منها قيم «الذات» وتتسطر فيها «همم» النفس وأناقة زاهية تعتمر الأزياء الوطنية وصوت بلكنة «نجدية» عميقة اللهجة في مجالس القوم وملتقيات العائلة ومرابع الديار ولغة فصيحة حصيفة مكتظة بفصاحة اللسان وحصافة البيان في مواقع القرار ومواطن المسؤولية تنطلق من «مخزون» ثقافي و»رصيد» معرفي يتكامل على كلمات مضيئة تكاد ترى بالبصر وعبارات متوهجة تزهو أمام النظر والمتعامدة على «إرث» تاريخي و»موروث» وطني و»تراث» شخصي وكفاءة مهنية وملاءة تخصصية قضى العثيمين من عمره عقوداً وهو يشعل «قناديل» الشعر في مسارب «الأدب» ويقدم «أكاليل» النثر وسط صفحات «الكتب» ويحول «التاريخ» إلى منهج بحثي ويطور «البحث» إلى منهج تاريخي ويملأ قاعات الجامعات بصوت «الإجادة» وصدى «الإفادة» ويهدي للوطن «تباشير» الإمضاء ويمنح الذاكرة «بشائر» الضياء.
في «عنيزة» درة القصيم الباذخة بزف النبلاء والوجهاء إلى أعراس الفضائل ومحافل التتويج ولد عام 1936في نهار ملأ منزل أسرته «الضليعة» في شهرة العلم و»الضالعة» في سمعة العمل بالفرح والسرور وتناقلت القرى المتجاورة الخبر المبهج بقدوم «فارس» جديد إلى «عائلة» العثيمين الوجيهة وسط احتفاء بالقدوم الميمون واحتفال بالمقدم المبارك.
تفتحت عيناه طفلاً على أبٍ كريم وجيه ملأ قلبه بوصايا «التقوى» وأم عطوفة أسبغت عليه بتوصيات التقى وظل والده يرسم «اتجاهات» مستقبله بنصائح «التربية» ولوائح «التوجيه» ومضى ينعم بدعوات أمه والتي أنارت له الدرب وأضاءت له الطريق فنشأ محفوفاً برعاية صالحة وعناية فالحة وضعته في «تنافس» مبكر مع الصلاح المعتمد على السلوك والمتعامد على المسلك فأمعن في طفولته الأولى على الإتمام بالبر والوفاء بالإحسان وسط «مؤشرات» و»مقاييس» و»معايير» جعلته الابن البار لوالديه والعضيد السار لإخوانه.
ألحقه والده بالتعليم حيث تعلم القراءة والكتابة والحساب وهو في سن السابعة ولأنه مسكون بالمثابرة مائلاً إلى «عصامية» مبكرة ترك مقاعد الدراسة وعمره 12 عاماً متجهاً إلى الرياض وعمل سمساراً للعقارات لمدة سنة ونصف وجرب فيها حظه مكتسباً من «نهارات» العاصمة ضرائب «الكدح» وأثمان «الاغتراب» ثم عاد إلى عنيزة مرة أخرى ليعمل مزارعاً ولكن والده خيره إما إكمال دراسته أو العودة للرياض فاختار الدراسة رغم ترجيحه لكفة العمل عليها حصل على الشهادة الابتدائية ثم التحق بالمعهد العلمي بعنيزة وتخرج منه عام 1377 بعد حصوله على شهادة الثانوية وظل في سباق مع التحدي حيث نال شهادة المعهد العلمي السعودي في مكة عن طريق الانتساب عام 1378هـ.
التحق بقسم التاريخ في جامعة الملك سعود بالرياض ثم حصل على الدكتوراه من جامعة أدنبرة عام 1972، وعمل في جامعة الملك سعود بصفته عضواً في هيئة التدريس بقسم التاريخ، وأمضى في المجال الأكاديمي بالجامعة قرابة الـ 28 عاماً وترقى خلالها إلى أن وصل إلى درجة أستاذ عام 1982وعمل في عدة مهمات ومناصب جامعية وتم تعيينه عضواً في مجلس الشورى من عام 1999 حتى 2009، ثم عين أميناً عاماً لجائزة الملك فيصل العالمية منذ عام 1987 وأمضى في منصبه حوالي ثلاثة عقود وعمل مستشاراً في وزارتي المعارف (التربية والتعليم) والتعليم العالي (التعليم) وفي مجلس أمناء مؤسسة حمد الجاسر وهيئات تحرير مجلة العرب ومجلة الدارة ورسالة الخليج، وعضواً مراسلاً في مجمعي اللغة العربية بدمشق والقاهرة، كما نال عدداً من الجوائز التقديرية.
وأقام العثيمين العديد من الأمسيات الأدبية، وأصدر عدداً من الدواوين، وكتب مقالات نقدية في الأدب. وقد درس وكتب عن شعره ومؤلفاته العديد من النقاد والباحثين ومن أهم دواوينه الشعرية نمونة قصيد (شعر شعبي) وبوح الشباب. ودمشق وقصائد أخرى. ولاتسلني. ومشاعر في زمن الوهج. وصدى البهجة. وعودة الغائب. وعرس الشهباء وقصائد أخرى وفي زفاف العروس ولا تلوموه إذا غضبا.
ولأنه شغوف بالتأليف باحث عن التميز ملهم بالمعارف مستلهم من المشارف فقد قام بتأليف عدة كتب ومنها تاريخ المملكة العربية السعودية ومعارك الملك عبد العزيز المشهورة لتوحيد المملكة ونشأة إمارة آل رشيد والعلاقة بين الدولة السعودية الأولى والكويت والشيخ محمد بن عبد الوهاب: حياته وفكره وكيف كان ظهور شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وترجمة كتاب مواد لتاريخ الوهابيين الذي ألفه الرحالة/ جوهان لودفيج بوركهارت
وترجمة كتاب حديث بوركهارت عن الخيل العربية قبل 170 سنة ومحاضرات وتعليقات في تاريخ المملكة العربية السعودية وبحوث وتعليقات في تاريخ المملكة العربية السعودية وكتاب الدرعية نشأة وتطوراً في عهد الدولة السعودية الأولى وجمع مقالات متعددة عن القضية الفلسطينية وقضايا العروبة في مؤلفات أخرى.
في خضم امتلاء «الوجدان» بتداعيات الشعور وانعكاسات المشاعر أقام العثيمين كثيراً في «عمق» القصائد مستخرجاً «عبق» الفوائد ليكون «الانسجام» بين الهيئة والهوية ويمزج «التوليفة الشاعرية» مجهزاً الإنتاج الشعري على طبق من عجب مسخراً «الضمير» الثقافي في صناعة «التقدير» الإنساني و»التعبير» الأدبي.
انتقل عبد الله العثيمين إلى رحمة الله في 12 رجب 1437 الموافق 19 إبريل 2016 وَوُوْرِيَ جثمانه ثرى الرياض وشيعه المئات إلى مثواه الأخير ونعاه رفقاء الدرب وزملاء الحرف وأصدقاء الدراسة وجيران المكان وتناقلت الوسائل الإعلامية والأوساط الثقافية والوسائط الاجتماعية النبأ بوصف «الرحيل» بالمؤلم وتوصيف «الراحل» بالمنفرد.
عبدالله الصالح العثيمين..الشاعر المكين والمؤرخ الأمين والأكاديمي المؤتمن و»العامل» المشترك في صفاء «النوايا» والناتج الصحيح في إضفاء «العطايا» والذي ترك بصماته في سجلات «الامتنان» وسماته في ومضات «العرفان».