د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يعد معدل بطالة السعوديين بنهاية الربع الرابع 2022 هو أدنى مستوى على الإطلاق وفق البيانات المتاحة منذ 1999، حيث انخفض معدل البطالة للسعوديين ذكورا وإناثا بنهاية الربع الرابع في 2022 إلى 8 في المائة مقابل 9.9 في المائة بنهاية الربع الثالث من العام ذاته، كما كشفت الهيئة العامة للإحصاء عن انخفاض معدل البطالة لإجمالي السكان في السعودية إلى 4.8 في المائة.
وهي أقل من مستوياته قبل تفشي كرورنا، البالغ 11.8 في المائة في الربع الأول من 2020، ثم ارتفعت بعد الجائحة إلى 15.4 في المائة في الربع الثاني من نفس العام، أي أنها بدأت تقترب معدلات البطالة بين السعوديين من تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 البالغة 7 في المائة أي قبل الموعد بسبعة أعوام، رغم مرور عامين توقفت فيه الأنشطة الاقتصادية نتيجة جائحة كرورنا، لكن الطفرة التي شهدها الاقتصاد السعودي 8.7 في المائة في عام 2022 وهو أعلى مستوى منذ عام 2010 نتيجة برامج التحفيز الحكومية السريعة للقطاع غير النفطي إلى جانب تحسن القطاع النفطي مع الإنتاج والأسعار، ما أسهم في مزيد من فرص العمل للمواطنين.
يعد تحقيق خفض معدل البطالة إنجازا جديدا يضاف على إنجازات الرؤية المتعددة منذ إطلاقها في 2016، وذلك بفضل الأنشطة الحكومية ودور القطاع الخاص في عمليات التوظيف، إلى جانب التشريعات وبرامج التوظيف في البلاد التي تمكنت من تحقيق أرقام قياسية في القطاعين العام والخاص، وكذلك هناك شركات أجنبية دخلت السوق السعودي ساهمت في توفير وظائف جديدة، وما تضمنته من إصلاحات وتشريعات وإطلاق للقطاعات الواعدة أسهمت في تحقيق استمرار أعلى معدل لمشاركة القوى العاملة، لأنه من أولويات العمل على تحقيق مستهدفات خلق الفرص الوظيفية لأبناء وبنات الوطن، من خلال التركيز على فرص العمل الموسمية لاكتساب الخبرات التراكمية للمنافسة في سوق العمل على مختلف المستويات، رفع مشاركة الذكور إلى 68.5 في المائة مقابل 37 في المائة للإناث، استقر معدل المشاركة للجنسين عند 52.5 في المائة.
أي أن معدل البطالة تجاوز التوقعات رغم الظروف الاقتصادية التي يعيشها معظم دول العالم بما فيها مجموعة العشرين جراء التحديات الاقتصادية والعوامل الجيوسياسية، في حين يؤكد ارتفاع معدل المشاركة في القوى العاملة للسعوديين جاذبية سوق العمل ودورها في توظيف واستيعاب المواطنين، حيث وصلت أعداد المشتغلين إلى رقم قياسي بلغ 2.2 مليون مواطن ومواطنة.
ما يؤكد نجاح برامج ومبادرات رؤية 2030 في تحقيق مشروعات عملاقة ودخول الشركات الأجنبية أدى إلى تسارع وتيرة التوظيف لدى القطاعين الخاص والعام ساهمت بشكل مباشر في خفض معدلات البطالة، ما يعني أن السعودية تتجه إلى المسار الصحيح في خفض عمليات البطالة ولا زالت تستهدف القطاعات النشطة والواعدة التي تستوعب المواطنين للعمل فيها لتسهم في خفض أكثر في معدل البطالة، ورفع أعداد المشغلين في السوق.
لن تتوقف السعودية عند هذه الحدود بل ستنتقل نحو مرحلة جديدة في توفير وظائف جديدة من خلال تشجيع ريادة الأعمال التي تركز على الابتكار، أي بناء شركات تكنولوجيا ذات صلة عالميا، خصوصا في التركيز على الشركات الناشئة التي تسخر التكنولوجيا في السعودية، مستفيدة من بعض عقلية ومنهجية مستوردة من وادي السيليكون في أمريكا أو من شركات الرقائق في تايوان ومن كوريا الجنوبية وغيرها، حيث أنشأت شركات رأس المال المغامر الأمريكية الأسطورية، بما فيها سيكوبا كابيتال وبيسيمر فنتشر بارتنرز، وأصبحت لها فروع في أوروبا، وقد أصبحت باريس نقطة ساخنة في مجال التكنولوجيا استطاعت إنشاء خمسة آلاف شركة ناشئة منذ عام 2017، على الرغم من التراجع العالمي لسوق التكنولوجيا.
فإن نصيب أوروبا في قائمة 100 شركة الأعلى قيمة في العالم تراجع من 38 شركة بداية القرن إلى 18 شركة حاليا، في حين ارتفعت حصة الولايات المتحدة من 54 شركة إلى 61 شركة مدعومة بشركات الساحل الغربي التكنولوجية العملاقة جزء من السبب هو أن الابتكار دون قيود على النمط الأمريكي أكثر قدرة على التكيف مع التغير التكنولوجي الثوري، خصوصا أن في الطريق ثورة تكنولوجية جديدة تغير طبيعة الاقتصاد، وحتى الآن لا يزال ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي العالمي يأتي من صناعات تقليدية قديمة تنتظر أن تحل عليها بصمة التكنولوجيا الرقمية، ووفق بنك الاستثمار الأمريكي جولدمان ساكس جروب إن التوسع في الاعتماد على تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي وإذا ما تبنت نصف الشركات في العالم تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن ينمو إجمالي الناتج المحلي للعالم بمعدل 7 في المائة سنويا خلال الأعوام العشرة التالية.
تشهد تقنيات الذكاء الاصطناعي في السعودية نموا متزايدا، إذ ارتفعت السجلات المصدرة خلال الربع الأول من 2023 74 في المائة أي 405 سجلات مقابل 232 سجلا تجاريا عن الفترة نفسها في 2022 ليبلغ إجمالي السجلات لهذا النشاط 3267، فلدى السعودية مشروع اقتصادي طموح وتقدم تقني كبير، وتحولت إلى نموذج معياري بشكل يفوق التوقعات، في عديد من القطاعات وليس فقط في الاستثمار، ولكن أيضا في الضيافة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، والمشاركة النسائية وغيرها كثير وهذا تغيير كبير وهو بمثابة إنجاز مذهل.