اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والمؤسسة العسكرية هي التي تمثل الوطن وهي الوجه الحقيقي للأمة ومن خلالها تبرز الصورة الوطنية التي على ضوئها يمكن الحكم على واقع المجتمع وقيمه، إذ إن العسكري لا يمثل نفسه فحسب، بل يمثل وطنه وأمته، حيث يستدل من مظهره وجوهره على قوة الشعب ومكانة الدولة التي ينتمي إليها، معطياً التصور الإيجابي والانطباع الحسن عن القيادة السياسية والوحدة الوطنية وطبيعة العلاقات والصلات الاجتماعية وقدرة المؤسسة العسكرية على الدفاع عن الوطن وصيانة أمنه الداخلي والخارجي.
وبالطبع فإن من الصعب نجاح المؤسسة العسكرية في مهمتها وتحقيق أهدافها في غياب الروح المعنوية العالية كما أن هذه الروح لا يمكن أن تتحقق بمعزل عن قاعدتها الشعبية لوجود قاسم مشترك بين الحالة المعنوية التي يتمتع بها منسوبو المؤسسة العسكرية ومعنويات الشعب الذي يحتضن هذه المؤسسة ووضعه السياسي والمعنوي ومدى قدرة الطرفين على الجمع بين قوة الإرادة ووفرة الإمكانات، وما تعنيه هذه المعادلة من الروح المعنوية المتبادلة.
وشرف المهمة وسمو أهداف المهنة يحتاج إلى روح معنوية مرتفعة تجعل العسكري يمارس دوره بأعلى مستوى، نائياً بنفسه عن الممارسات الدونية التي يترتب عليها الشعور بالنقص والإحباط والضعف المعنوي.
وتبرز أهمية الروح المعنوية العالية من خلال مظاهرها التي تبرهن على تماسك المؤسسة والانتماء إليها من قبل منسوبيها الذين يخضعون للواجب ويُقبلون على العمل برغبة لزيادة فاعلية المؤسسة مع الإيمان بقيمها ومبادئها والحرص على التمسك بالنظم والقواعد التي تحكم سياسة العمل فيها.
ومن مظاهر الروح المعنوية العالية أن يسود التعاون والتوافق بين منسوبي المؤسسة بحيث يشعر كل منهم أنه يمثل مؤسسته في السلم والحرب ويؤمن بأن حريته تتوقف عندما تبدأ حرية الجميع، متخذاً من روح الفريق جسراً يعبر عليه لخدمة المؤسسة وبلوغ أهدافها.
وتأسيساً على ذلك فإن كل فرد في المؤسسة يتعين عليه أن يتقمَّص شخصيتها عن طريق الشعور بأن المؤسسة مؤسسته ومصلحتها ونجاحها ينعكس عليه، متحملاً مسؤولياته ومؤدياً واجباته ومشاركاً لها في الأهداف والمثل ومضحياً برغباته الشخصية وميوله الذاتية التي تتعارض مع مصلحة المؤسسة وأهدافها.
ومما يدل على الروح المعنوية العالية ثقة المرء في نفسه وثقته في المؤسسة التي ينتمي إليها، وما يؤدي إليه ذلك من وجود ثقة متبادلة بين القائد والأتباع بفضل ما يتحلى به هؤلاء الأتباع من الاعتزاز بالمؤسسة والولاء لقيادتها وتقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية.
وعندما تندثر مظاهر ارتفاع الروح المعنوية الآنف ذكرها في أية مؤسسة لابد أن تحل محلها مظاهر انخفاض هذه الروح، وما يفضي إليه ذلك من التحول من النجاح إلى الفشل ومن النصر إلى الهزيمة في السلم والحرب.
وإذا كان ضعف المعنويات يعدي فإن أسوأ ما تبتلى به المؤسسة أن تتفشى ظاهرة التسيب في بعض وحداتها وتكثر فيها المظاهر المحبطة والممارسات غير المنضبطة وأن يكون السلوك الصحيح مهجوراً والسلوك الخاطئ مأثوراً.
ومطلوب من القائد أن يكون هدفه الأول هو تنمية الروح المعنوية والمحافظة على ارتفاع سقفها بوصفه هو القائد والمربي والمسؤول، وثمة أسس يتعين عليه اتباعها والسير بموجبها للاطمئنان على تطوير المظاهر الدالة على ارتفاع هذه الروح في سبيل الأهداف الوطنية ذات الأبعاد الإستراتيجية.
وهذا الأمر يحتاج إلى غرس الرغبة في المهنة لدى المرؤوسين ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب وثبات المعاملة وعدالتها والاعتراف بأهمية المرؤوس وجعله يشعر بالثقة تجاه نفسه وقائده ومؤسسته ومراعاة الفروق الفردية بين المرؤوسين لضمان العدل بينهم والاستفادة منهم كما ينبغي، علاوة على أن الفروق الفردية تشكل أهم عامل للتعبئة النفسية والذهنية التي يعتمد عليها رفع الروح المعنوية.
وكفاءة القائد وأعضاء قيادته تلعب دوراً في رفع المعنوية للمرؤوسين لما يترتب على ذلك من تهيئة ظروف العمل ومنح الحوافز واستخدام الروادع بالأسلوب الذي يجعل سياسة الثواب والعقاب ذات منطلقات عادلة تدل على كفاءة القائد وأهليته لتحمل المسؤولية والأمانة القيادية بعيداً عن الاستلطاف غير المنصف والاستهداف المجحف.
وإذا كانت نفسية المقود ترفع من معنويته أو تحط منها على ضوء ما يتوفر له من عوامل إيجابية أو يفتقده من هذه العوامل فإن شخصية القائد وكفاءته يعوَّل عليها في تشجيع هذا المقود ورفع معنويته متى ما تمكن القائد من تحمل مسؤولياته والوفاء بالتزاماته تجاه قيادته الأعلى ووظيفته، ومهنته وأتباعه.
والواقع أن لكل مؤسسة أنظمتها الخاصة بها ولها منهجية تضبط مسيرتها وتحدد أهدافها، ومهما كانت طبيعة العمل في المؤسسة فإنها بقدر ما تطالب العاملين فيها بالحرص على مصالحها وتحقيق أهدافها بقدر ما تعمل جاهدة لتشجيعهم ورفع معنوياتهم.
والأمة الناجحة هي التي ترفع بنيانها على أسس ثابتة يؤسسها أبناؤها الذين يتمتعون بروح معنوية عالية ولديهم ما يؤهلهم من الشجاعة والعزيمة والكفاءة لمواجهة الملمات والمخاطر انطلاقاً من أن الروح المعنوية الحقيقية للأمة تعد ثمرة للروح المعنوية لأبنائها عبر المراحل الزمنية التي تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل بالنسبة للأمة من أجل اعلاء كلمتها وصيانة سيادتها وحفظ كرامتها وإحلالها محل الصدارة بين الأمم.