الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تفاقمت في الآونة الأخيرة المشكلات الزوجية، مما أدى إلى زيادة وقوع حالات الخلع والطلاق، حتى بلغ عدد حالات الطلاق في العام الماضي 1443، (54471) في حين بلغ عدد حالات الزواج في العام نفسه (77512)، ناهيك عن دعاوى فسخ النكاح، ودعاوى الخلع وإثباته، وهذا بلا شك مؤشر خطير للغاية على النسيج الاجتماعي. "الجزيرة" استطلعت رؤى عدد من المختصين في العلوم الشرعية والمهتمين في الشأن الاجتماعي والأسري لمعرفة الأسباب الرئيسية وراء زيادة حالات الطلاق والخلع في المجتمع، والسبل الكفيلة للحد من تفاقمها ومعالجتها.
بداية يشير الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن عبدالله الزكري قاضي الاستئناف أن زيادة حالات الطلاق والخلع أصبحت ظاهرة مقلقة، وللأسف لا نجد الجهات ذات العلاقة أو المتسببة تتجه لمعالجة آثار تصرفاتها، وإذا لم يتكاتف الجميع بدأ من الفرد والأسرة والجمعيات المختصة والوزارات والجهات الحكومية والإعلام والتعليم والشؤون الإسلامية وغيرها فسيستمر معول الهدم للأسرة وتحقيق نجاح جهود شياطين الإنس والجن في تفكيك الأسر وما ينتج عنه من آثار يصعب علاجها، كما أنبه إلى أنه ومن خلال استقراء لكثير من الحالات في التفكك الأسري أو الفقر أجد أنها بسبب المخدرات، ويلمس ذلك المختصين بالإرشاد الطلابي في المدارس، ولذا ينبغي مواجهة هذا السلاح الخطر وأظن أن أجهزتنا الأمنية بمزيد من المتابعة والدعم من المجتمع ستقضي عليها بعون الله. ومن الأسباب الرئيسة أيضاً عدم الاستقرار الوظيفي لدى الشباب بناءً على التوجه للخصخصة أو العاملين في القطاع الخاص مما يؤثر على تكوين الأسرة ابتداءً أو استقرارها فيما بعد، ويمكن للمختصين الذين لديهم الحس الوطني واستشعار المسؤولية أمام الله تعالى وولاة الأمر أن يجدوا الوسائل والحلول مهما كانت مكلّفة.
الحوار مفقود
وتؤكد الدكتورة نجوى بنت فؤاد عابد الثقفي المستشار الأسري أن الأسرة كنظام اجتماعي فقد الكثير من الوظائف الاجتماعية التي كان المفروض أن يقوم بها، حيث إن الأسرة نواة المجتمع فهي من تنشئ الوليد وتحوله إلى كائن اجتماعي، وتسوّقه للمجتمع بعد أن أكسبته ثقافة المجتمع الذي تعيشه فيه؛ فهل الأسرة الآن تقوم بهذا الدور.. للأسف الأسرة تترك أفرادها وتنشغل عنهم بحجة توفير الحاجات المادية لهم ويكتسب الأبناء الثقافات المختلفة عن طريق الواقع الافتراضي والتعامل مع الثقافات الأخرى من خلال التواصل بالإنترنت مما يفقدهم مهارات التعامل حين يبدأنا الحياة الزوجية التي لا يعرفون عنها شيئاً، كما أن الأسرة فقدت التفاعل بين أفرادها فكل منعزل في غرفته بهواياته الخاصة ولا يلتقي الأفراد إلا في المناسبات وكأنهم أغراب، والحوار مفقود، والتفاهم بالتالي مفقود، وحين يحدث التواصل لا يتفهم البعض الآخر ويتم الشد والنفور لأبسط نقاش بينهم، مشيرة إلى أن الأدوار التي تتم بين أفراد الأسرة لا تقوم على القيم الواجب أن تكون عليها فلا الزوجة تنظر لزوجها بتقدير واحترام ولا ينظر الزوج لزوجته بود ورحمة ولا حتى الأبناء ينظرون إلى والديهم بالاحترام والبر، وقد تغيرت معايير القيم فأصبح الخلاف دائم بين أفراد الأسرة وأصبح الولاء خارج جدران البيوت.
وقدمت الدكتورة نجوى الثقفي بعض الحلول، ومنها:
الحل: إلزام من يقدم على الزواج بدورة تأهيل المقبلين على الزواج وذلك لأن الأسرة لم تعد تقوم بهذا الدور ولكنها ما زالت نظاماً اجتماعياً في المجتمع وتتأثر وتؤثر في الأنظمة الاجتماعية الموجودة في المجتمع فمراكز الإرشاد الأسري كمؤسسات اجتماعية تكمل وتعين لهذا الدور في تأهيل أفراد الأسرة لفهم معنى الحياة الزوجية، وكيفية التعامل مع المواقف التي تواجهه الشباب في مقتبل حياتهم، كما أن التعليم له دور مهم في توعية الجيل بالقيم الأخلاقية وكيفية التعامل مع الآخر، ولا بد من إعداد برامج تعليمية في المدارس والجامعات تقوم على تحديد هدف واحد سنوياً تعمل عليه من خلال المناهج والأنشطة التعليمية لصقل الوعي والسلوك لدى الجيل الجديد.
الاعتراف بالتقصير
وتؤكد الدكتورة هيفاء بنت عثمان فدا رئيسة مجلس إدارة جمعيّة يُسر للتّنمية الأسريّة - عضو لجنة شؤون الأسرة والتنمية الاجتماعية التابعة لمجلس إمارة منطقة مكّة المكرّمة، أن الأسباب تتعدد كثرة وقلة كما تتباين جسامة وضآلة في دفع علاقة الزواج المكرمة إلى الفراق من خلع أو طلاق، ولكن رغم تعدد المشكلات وتباينها فإن إيجاد الحلول ممكن في وقته ومكانه سواء فيما يخص العلاقة الثنائية بين الزوجين ومدى دعم الحل البيني، وسواء تلك المشكلات المحيطة بالزواج العلاقة وبالزوجين.
في المقابل لا يمكن إيجاد حل جذري ما لم تتوفر الأرضية المناسبة لتقبل الزوجين لقانون الحلول المتوسطة؛ ذلك أنّ النفس البشرية جبلت على التبرير لأفعالها وإغفال الاعتراف بالتقصير، يكمن أولى الحلول بالاعتراف ليكون الأرضية الأولى واللبنة الأولى في درء الفرقة ومن ثم إصلاح الذات قبل إصلاح زوجها حتى تتوالى الحلول العلمية والمجتمعية والدينية؛ هذه الحلول التي أقرت لتدوم أرق علاقة بشرية بين غريبين جعل منهما الزواج أقرب قريبين يمثّل كل منهما للآخر سكنًا مأوى وعشًّا ومهوى.
الضغوط الأسرية
ويبيّن الدكتور خالد بن محمد السرحان أستاذ العلوم الاجتماعية أن التعامل مع مشاكل الزواج بطريقة صحية أمرًا صعبًا للغاية، خاصة وأن الضغوطات يمكن أن تأتي من مصادر وأسباب مختلفة ومتعددة؛ منها ما هو متعلّق بقلة التواصل وزيادة المسافة بين الزوجين أو فقدان الحب والنظرة السلبية لعلاقتهم الزوجية، أو الضغوطات الأسرية والمالية، ونتيجةً لذلك يصبح الجدل والخلاف بين الزوجين أمراً شائعًا ومتكررًا يحتاج بذل المزيد من الجهد سعيًا نحو إبقاء العلاقة الزوجية ناجحةً، وفي اعتقادي بأن من أسباب الخلع والطلاق الآتي:
- أسباب مشتركة بين الزوجين، وتدخل الأهل، وتنافر الطبائع، والخيانة، كما أن هناك أسباباً يتحملها الزوج: كالبخل، والانشغال والإهمال، وهناك أسباب تتحملها الزوجة: استماعها نصائح الأصدقاء الصديقات ومنها (التخبيب)، وتذمرها ومقارناتها.
وقدم الدكتور خالد السرحان بعض الحلول للمشاكل الزوجية، ومنها:
* التدرُّب على الاستماع، حيث يعد التواصل الصحيح هو الخطوة الأولى لحل المشكلات الزوجية المختلفة.
* تجنب تحويل الخلاف إلى منافسة لأن في العديد من الأحيان تتفاقم المشكلات الزوجية نتيجة شعور أحد الزوجين أوكليهما بحاجة لكسب الجدال من باب تغذية غرورهم وشعورهم بالرضا عن أنفسهم عندما يثبتون خطأ أحدهم بشأن أشياء معينة.
* التعبير للزوج عن المخاوف بشكل بناء ففي بعض الخلافات قد تكون الحساسية أو الغموض الذي يفرضه أحد الأزواج سببًا رئيسيًا في تفاقم المشاكل.
* حل الخلافات الزوجية المتعلقة بالأمور الماليّة فقد تبدأ الخلافات الزوجية المتعلقة بالمال مبكرًا في فترة الخطبة وقبل الزواج.
* الاحتفاظ بدائرة علاقات محيطة صحية يجب إحاطة النفس بالأشخاص الذين يقدرون الزواج ويوفرون الدعم الواسع، وذلك في سبيل نجاحك مع أسرتك.
* الامتنان المتبادل بين الزوجين يعد التعبير والشكر المتبادل أمراً جوهرياً في العلاقة الزوجية.
* العفو والمسامحة مع الشريك، حيث تنشأ العديد من الخلافات بسبب ذكر أخطاء الماضي وإلقاء اللّوم المتكرر على الطرف الآخر.
* تعزيز الثقة بين الأزواج، حيث تعد الثقة جزءًا أساسيًا في العلاقة الزوجية والأسرية، ورغم إدراك الأغلبية لذلك إلّا أنّهم يقومون ببعض التصرفات التي تثير الشك وتزعزع الثقة لدى الطرف الآخر.
* عدم الكذب على الشريك لأي سبب كان، والالتزام بالمواعيد والعهود التي تصدر من أحدهما تجاه الآخر.