الثقافية - أحمد دسوقي:
تستضيف «الجزيرة الثقافية» في هذا العدد المتخصصة في أدب الأطفال الشاعرة الأردنية: سارة السهيل، للحديث عن أدب الأطفال وما يتصل به من شؤون تهم الطفل وتعزيز المنطلقات الثقافية والفكرية لديه، كما ستتحدث في هذا الحوار عن رحلتها العلمية والثقافية، وعن أبرز المحطات التي كان لها تأثير في مسيرتها الأدبية، إلى جانب تعليقها على بعض المستجدات على الساحتين الفكرية والثقافية، فإلى نص الحوار:
* حدثينا عن تجربتك الأدبية؟
إن البيئة التي نشأت فيها قد أسهمت بشكل كبير في اتجاهي نحو الأدب بشكل غير مباشر، فقد كان أبي رجل سياسة من الطراز الرفيع ومشغولا بقضايا الوطن وهموم الناس فأخذت منه الجزء المعني بالقضايا الإنسانية والارتباط بالجذور والانشغال بهموم الناس، إلا أنني استفدت كثيرا من تثقيف أمي لي منذ نعومة أظافري بالإبداع الفكري والأدبي المكنز بمكتبة والدي، بجانب بيتنا الذي كان مفتوحا لكل فئات المجتمع ومن كل الجنسيات، فهذا التنوع بالعطاء والأخذ مع الناس كون شخصيتي وجعلني مزيجا من كل ما ذكرت وصنع مني إنسانة منفتحة على الآخر بكل اختلافاته وخلق حبا فطريا نحو الإبداع الأدبي والنهل من ينابيع اشراقاته ولأليء كلماته.
فالكلمة بحر من المعاني يغوص فيه المحب باحثا عن الإبداع ومتعة الأخذ والتلقي، ثم الفيض بأسرار الكلمات والتحليق في سمائها بأجنحة الخيال، وهو ما دفعني في بداية الطريق نحو الشعر، ثم تحولت لاحقا إلى الكتابة للأطفال حيث النقش الأول والحرف الأول والخيال الجامح الطامح والألوان الزاهرة والطبيعة الساحرة والبراءة اللا نهائية والطازجة والبكارة في كل شيء.
واكتشفت مع كتاباتي للأطفال كم الطفولة بداخلي فتعاملت معهم كواحدة منهم عبر العديد من القصص منها: (سلمى والفئران الأربعة)، (قمة الجبل)، (نعمان والأرض الطيبة)، (قصة حب صينية)، (اللؤلؤ والأرض)، - (أميرة البحيرة)، وقصة (ليلة الميلاد) و(ندى وطائر العقاقير) وسلسلة قصص آدم وغيرها.
وواصلت رحلتي في عالم الكتابة عبر العديد من المقالات النقدية التي تعالج قضايا واقعنا، وكما قلت سابقا، إن الكلمة بحر مليء بالمعاني، وما لعاشق الكلمة سوى الغوص في بحرها ليغترف منه ما يشاء وصف في أي قالب أدبي شعري أو نثري ووجدت أن المقالات تفتح لي المجال للتحدث بمواضيع مختلفة وطنية وإنسانية وثقافية وأسرية وأيضا يمكنني من خلالها نقد ورصد ما يحدث حولنا لإصلاح أوضاع الناس وتوجيههم لمنفعتهم. أما الكتب البحثية فأجد بها نفسي في هذه المرحلة أكثر من السابق ربما لأنها تأخذ مناحي مختلفة مثل قضايا المرأة والطفل والعنف وحقوق الإنسان وقضايا تاريخية.
* كتاب أعدت قراءته أكثر من مرة؟
كتاب الأمير لميكافيللي، وقصة فتاة غسان وكتاب «الخالدون مائة» أعظمهم محمد رسول الله «صلى الله عليه وسلم» لـ مايكل هارت وهو باحث أمريكي فلكي ورياضي يعمل بهيئة القضاء الأمريكية، واهتم بدراسة التاريخ، وتتبع في صفحات هذا الكتاب سيرة الخالدين الذين أثروا في تاريخ البشرية ولا تزال آثار أعمالهم باقية في حياتنا حتى اليوم وأولهم نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وفي تقديمه لكتاب «الخالدون المائة» قال مايكل هارت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي.
* ما هي مشاريعك المستقبلية؟
أنا بصدد إصدار كتاب عن العنف وتأثيره المدمر في مستقبل الأفراد والمجتمعات والشعوب، وأسعى في علاج ظاهرة العنف بكل أنواعه العنف اللفظي والبدني والعنف الفكري والاقتصادي والعنف بحق الطبيعية والبيئة والحروب وغيرها، العنف بحق المرأة والطفل واللاجئين والمستضعفين وتأثير ذلك في سلامة المجتمعات وأمنها، فالعنف نقيض الحب ونقيض السلام النفسي والاجتماعي، محاربته يعني نشر السلام والحب بين أبناء المجتمع. والمجتمعات تبني وتذهر بالحب وإفشاء السلام كما نصحنا نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وأيضا مواصلة كتاباتي للأطفال ومقالاتي وإكمال دراساتي العليا كوني طالبة حاليا وأيضا أفكر بمشاريع رسوم متحركة للأطفال، وبعض الأعمال الأخرى.
* ماذا عن تجاربك الشعرية؟
بدأت إرهاصات كتاباتي للشعر وأنا طفلة بالمدرسة الابتدائية كهواية تشربتها من عشق الشعر مبكرا عندما كان يفد إلى منزلنا كبار الشعراء والأدباء والمفكرين وحضور صالون والدي اليومي الذي كان يقيمه بشكل يومي ومن بعده والدتي تقيم صالونا نسائيا يوميا في بيتنا ولكن أنا اؤمن بأن الشعر موهبة وهدية من الله لا يمكنك أن أتعلمها لكن يمكنك أن تطور منها وتشذبها وتضيف عليها فخامة اللغة والمفردات والخبرات بانتقاء المواضيع والهموم واستخدام العبارات ولكن لا يمكن أبدا إن لم تكن مولودا بشيطان الشعر أن تتعلمه حتى لو دخلت معاهد وجامعات عمرك كله وهذا واضح عندما نتابع ناظمي الشعر الذي يفتقد للروح والإحساس أو عندما تتابع بعض الشعراء والشاعرات الموضة الذين اتخذوا من الشعر السفيه والتافه الذي يكتبونه سبيلا للظهور في وسائل الإعلام والشهرة وهؤلاء مع الزمن ومع تكاثرهم نزلوا مستوى الشعر والذوق العام وتعود الناس عليهم إلى أن اعتبروهم أمرا طبيعيا بل مع الوقت أصبحنا نرى سفيها أو سفيهة يقولون شعرا بلا مضمون وبلا رسالة وبلا شيء والجمهور يصيح الله الله الله.
فعلا نحن في أزمة ذوق وتقييم وبالعودة لبداياتي في الشعر فأنا كنت أكتب أبياتا شعرية قصيرة بروح الطفولة في حب الوطن والتغني به والوفاء له والدفاع عنه، ثم اتجهت لإصدار أول ديوان شعري وأنا بالمدرسة وهو «صهيل كحيلة» ويتضمن أشعارا بالعامية غلبت عليها اللهجة الخليجية.
وديواني الثاني «نجمة سهيل»، ثم أصدرت ديواني الثالث «دمعة على أعتاب بغداد» غلبني فيه التضامن والتعاطف واستحضار العراق والحنين لعاصمة الثقافة والأدب والحضارة، والبكاء على ما واجهته من مآس وآلام بفعل الحصار الاقتصادي والغزو الأمريكي وحروب الإرهاب على العراق.
* هل ستكتبين سيرتك الذاتية؟
استبعد ذلك الآن، وإن كانت كتاباتي الأدبية ومقالاتي النقدية تمثل وجوها عديدة من هذه السيرة بما تتضمنه من رؤى وأفكار وقضايا تعكس رؤيتي للحياة والكون من حولي، أما حياتي الشخصية فهي مدموجة وكأنها مزيج مع حياتي العملية فأنا 70 في المائة من زمن حياتي كان في الجامعات والكليات والدورات التعليمية والتدريبية وفي الكتابة والقراءة وفي ساحات الثقافة بين ندوات ومهرجانات ومؤتمرات ومكتبات ومدارس وحياتي الثانية مع والدتي وأهلي وأصدقائي فأنا أحب الناس ولدي أصدقاء كثيرون جدا وصداقاتي تمتد لسنوات طويلة ولم أخسر أحدا عرفته أبدا فالحلقة تزداد ولا تقل، ولكن في جعبتي قصص مرت في حياتي تنفع لأفلام هوليود وتأخذ حتما أوسكار درجة أولى لربما عندما أشيخ أفكر أكتبها فما زلت في بداية الطريق.
* كيف تنظرين للمستوى الأدبي والنقدي في العالم العربي؟
الساحة الأدبية العربية عامرة بالعديد من المؤلفات لكل الفئات العمرية، وهناك الغث والثمين منها، وحتى أزمة طباعة الكتاب وجدت لها منفذا عبر النشر الإلكتروني، لكن مع ذلك قلما نجد نصا يسرق عقلك وفكرك وقلبك معا، فالكتابات الضعيفة تغزو وسائل الميديا الحديثة.
ناهيك عن تراجع المشهد النقدي العربي، ربما بسبب تأثيرات مدونات وسائل التواصل الاجتماعي وشلليتها، في الوقت الذي تراجع فيه دور الصحافة عن المتابعة النقدية للأعمال الأدبية قياسا على ما كان في الماضي.وأيضا رقابة النشر والمصنفات ولا حتى رقابة ذاتية ولا رقابة مجتمعية والذوق العام في هبوط بسبب اعتياد آذانهم وعيونهم على ما ينشر باستمرار وبتكرار حتى أصبح مألوفا.
فالكاتب اليوم يعاني من ظواهر ثقافية جديدة تغيب القراءت الواعية للنصوص الجيدة غياب الفرز للأعمال الجيدة فضلا عن أن هناك قدرا من الخلط بين الجيد والرديء، خاصة انتشار ظاهرة «البيست سيلر» أو الأكثر مبيعا، بجانب تأثير الجوائز كمعيار يوجه القراء نحو كتب بعينها.
والمثير للدهشة أن النقد الأدبي يتولاه غير المتخصصين فنجد كتاباتهم تخضع للهوى الشخصي والشللية ولا ترقى لمستوى النقد الأدبي الفاهم للنصوص والمحلل المدقق لمعانيها والمتذوق لجمالياتها.
ترتقى لكونها مقالات نقدية تخضع للهوى وليس لعمق الدراسة وفهم النص وجمالياته، وقد يجزم البعض بأن الذائقة الأدبية هي من تتحكم فى ذلك وأعتقد أنه ليس من الصحيح أن يخضع النص لمزاجية الناقد والذى تنحصر مهمته في تحليل النصوص وتفكيكها والبحث عن مواطن قوتها وضعفها.. وربما هذا ما يفرق بين القارئ العادى والناقد الأكاديمى الملم بعلوم النقد وأساليبه.
لكن تظل الحركة النقدية داخل المؤسسات الثقافية وقصور الثقافة والندوات وغيرها حصنا يحمي حركة النقد الأدبي من هذه المهازل.
ويؤكد أن هناك أمثلة جيدة أيضا لا يفوتنا ذكرها، كمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية ومختبر بيت السنارى الأدبى حيث تمت مناقشة وتقديم الكثير من الأعمال بشكل أكاديمى رائق ساعد الكثير من الكتاب على تطوير مهاراتهم الكتابية والإبداعية.
* ذكرتِ في أحد لقاءاتك أن الموهبة الأدبية يمكن أن تتبناها المؤسسات التعليمية؟
أنا من الموقنين بأن خالقنا العظيم قد وهب كل واحد منا مواهب عديدة تعكسها ميولنا للعلم والمعرفة والفنون والإيقاع والرسم والطرب والموسيقى والشعر والقصص والتمثيل وفنون التشكيل والهندسة وهوايات أخرى وعلوم النجوم والفلك وغيرها.
والبيئة التي نعيش فيها هي التي تنمي هذه المواهب المدفونة فينا وهذه البيئة تنطلق من داخل الأسرة مرورا بالمدرسة والمؤسسات الثقافية المختلفة. وكلما كانت هذه البيئات حاضنة للمواهب فإنها تنمو وترعاها وتسقيها بخبرات السابقين.
والمدرسة تلعب دورا رئيسا في احتضان هذه المواهب بما تتضمنه من توافر إمكانات علمية وثقافية مهتمة بصقل مواهب النشء عبر دفعهم للقراءات بمكتية المدرسة، وإقامة المسابقات الأدبية والشعرية وفنون الخطابة ومسابقات الرسم والتشكيل، وما يوفره المسرح المدرسي من حقل لاكتشاف المواهب بالغناء والتمثيل وغيرها فهذه المدارس تصقل الموهبة وتنميها.
* بيت شعر تطربين له؟
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني
وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
شعر حافظ إبراهيم أحد قادة مدرسة الإحياء في نهاية القرن العشرين.
وأيضا بيت للسموأل:
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
وأيضا أبيات لأبي فراس الحمداني:
أَراني وَقَومي فَرَّقَتنا مَذاهِبُ
وَإِن جَمَعَتنا في الأُصولِ المَناسِبُ
فَأَقصاهُمُ أَقصاهُمُ مِن مَساءَتي
وَأَقرَبُهُم مِمّا كَرِهتُ الأَقارِبُ
* من الذي وقف إلى جانب جانبك في بداياتك الأولى؟
لم يقف أحد بجانبي، بل وقفت بجانب نفسي وقد كانت والدتي تشجعني معنويا بمعنى تحفزني ليزداد طموحي ومن حين لحين تؤنبني إن لم أخطو خطوات متقدمة للإمام.
بمن تأثرتِ في حياتك الأدبية؟
أنا تأثرت بكل إنسان وكل شخص قابلته وكل سطر قرأته فكل شيء يضيف لي شيئا كبيرا كان أو صغيرا فنحن مثل لوحة فسيفساء كل جزء منها مهم لتكتمل اللوحة.
* ما هي أقرب الألقاب إليك؟
أطلقوا علي عدة القاب بعضها لطيف جدًا، وإن كنت لا أحب الألقاب الفارغة من مضمونها، فالتزييف الإعلامي لإشباع حاجات خاصة في النفس الأمارة بالسوء، ولكن عندما لُقبت بسفيرة الطفولة العربية وسندريلا أدب الطفل فكان تاجا يتوج جهدي المبذول بحب في تثقيف وتنمية الطفل وفن مخاطبته، أما لقب «فارسة» فهو أحب الألقاب إلى قلبي لأن الفروسية بتقديري تعكس أخلاق النبل والشرف والكرم نجدت الملهوف وإغاثة المحتاج نفسيًا أو معنويًا.