حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
تأليف - نخبة من الكتاب / ترجمة - الأستاذ كاظم سعد الدين:
تغدو الكتابة عند كبار الكاتبين كالماء النمير الذي يروي العطش، والترياق النافع الذي يشفي العلة، وكلما ازدانت الكتابة بالإبداع كلما كان النفغ فيها أجدى، وما زال الحديث عن طرائق كبار الكتاب في كتابتهم جارياً متسلسلاً وتحكي هذه الحلقة الثانية والأخيرة عن علماء وكتاب وروائيين وقصاصين لهم مفاتيح هممهم وصقل طاقاتهم هؤلاء تناولهم كتاب ( كبار الكتاب كيف يكتبون؟ ) ومن سبل هؤلاء المبدعين ما يندرج تحت الحديث التالي:
المقال السابع - للأديب مكسيم كوركي وعنوانه: كيف تعلمت الكتابة؟ هو كاتب تعلم الكتابة وأحب القراءة فكان يقرأ كثيراً، ويرى في الكتب أشياء لايراها في بني الإنسان، وقد قرأ في الأدب الفرنسي ثم اتجه إلى الأدب الروسي، وكان وهو في العشرين من عمره يحس بأشياء لايشعر بها الآخرون، وكان يقرأ قصصه في بدايته على الخبازين والمشردين والنجارين ويدخل في القصة تجربته الخاصة، وحول سؤال وجه إليه لم يكتب عن المحرومين من المال قال: لأنني عشت بين أناس ماديين وأناس تستبد بهم فكرة الصراع من أجل امتصاص دماء الآخرين.
والحوار الثامن كان مع الأديب فرانسوا مورياك وعنوانه التكنيك والأدب والفلسفة.
يرى هذا الروائي العظيم أنه يجب على كل روائي أن يختار تكنيكة خاصة به وأن يعتمد في ذلك على نفسه ويتحدث عن نفسه قائلاً: إنه كان يصف نفسه في رواياته إلى حد ما، مثل روايته الطفل المكبل بالقيود، وقد سعى لأن يسجل أيام مراهقته وأن يعيدها إلى الحياة من جديد وهذا الروائي يكتب عندما تناسبه الكتابة، وعندما يشعر أنه يريد أن يؤدي عملاً خلاقاً، ويصف الجيل الماضي بامتلاكه المواهب وغلبة صفة الغباء عليه، أما الجيل الحاضر فهو ذكي جداً من خلال تعرفه على مواهبه الخاصة به.
والمقال التاسع فهو للشاعر زهانك زيمين وعنوانه: كيف أصبحت شاعراً؟ هذا الشاعر الكبير يتبنى فكرة عظيمة ويؤمن بها إيماناً راسخاً وهي أن الأدب يجب أن يخدم الشعب، لذا كان يحاول أن يجعل قصائده تروق للذوقين الشعبي والفصيح, وقد ولد هذا الشاعر في قرية جبلية منعزلة وعاش حياة صعبة جداً، وكان في طفولته تواقاً إلى المعرفة وحب الأدب وقد شجعه والده على ذلك. من أعماله ثلاث مجموعات قصصية قصيرة، وديوان
شعر عنوانه : (قصة يداجيدة). والمقال العاشر للأديب الكبير اندره جيد، وعنوانه التأثير الأدبي والكتاب الشباب، وهو يقسم التأثير الأدبي إلى نوعين جيد ورديء، ومن آرائه الجيدة آولاً لا يمكن للإنسان أن يكون بمعزل عن التأثيرات ويصف الناس بقوله: إن أولئك الذين يخشون التأثيرات ويهربون منها إنما يقرون صراحة بفقر أرواحهم), وثانياً: الرجل العظيم لديه اهتمام واحد فقط وهو أن يكون إنساناً قدر المستطاع، فالعقول العظيمة لا تخشى التأثير وإن الخوف من التأثيرات هو مرض العصر الحديث». فلله دره من كاتب مبدع، وإليك المقال العاشر وعنوانه: رسالة إلى كاتب شاب لم ينشر - للكاتب وليم سادون وزبدة مقاله أن الكتابة يجب أن يظهر فيها الوضوح وصفاء الفكرة.
ويوجه نصيحة لمن أراد الكتابة أن يكون واثقاً بنفسه كثير البحث عن المعلومة العلم، وعليه أن ينسق كلماته لتسير بيسر وسهولة ولتقع في مكانها الطبيعي، وعليه أن يكتب بطريقة لا يقلد فيها كاتباً آخر، فالأمر بالنسبة إليه كالمعركة، حيث إن كتابة القصة مثل دحر العدو. وأما المقال الحادي عشر فكاتبه أندده موروا وعنوانه كتابة السيرة كيف تجعل الإنسان يعود إلى الحياة؟. يرى هذا الكاتب أن كتابة السيرة في مثل رسم صورة الإنسان - وعلى الكاتب أن يسير على الخطوات التالية: قراءة كل شيء يرتبط بموضوعه بأي شكل من الأشكال (مثل الكتب المنشورة عن الشخصية، التاريخ العام للفترة ، المخطوطات).
وإذا انتهى البحث بصورة متكاملة فقد بدأت مهمة كاتب السيرة وهنا انتهى المؤرخ وبدأ الفنان.
على أن يكون هدف كاتب السيرة منها أن يجعل الإنسان إنساناً نابضاًَ بالحياة.
وعلى كاتب السيرة أن تكون لديه الشجاعة في التنقية والاختيار، فغربلة المادة أصعب جزء في مهمته. وعليه أن يتتبع الخطة تتبعاً زمنياً، ومن الخطأ في السيرة استباق الأحداث.
وأخيراً ينبغي على كاتب السيرة أن يجعل الموضوع والناس من حوله واقفين على سلم هائل متحرك ينزل بهم جميعاً ببطء بصورة متواصلة لا تتغير نحو الشيخوخة أو الموت. والمقال الثاني عشر - عنوانه: هل يخلق تدريس الكتابة أديباً وهو للكاتب ارشيبالد ماكليش
يقول الكاتب: الكتابة الخلاقة هي التي تعني استعمال الكلمات كمادة فنية وحينما تريد أن تعلم عليك أن تأخذ أديباً يستطيع الكتابة قبل أن تعلمه إياها وفن الكتابة له فضائل ومزايا يمكن أن يتعلمها الإنسان، غير أن الكتابة باعتبارها فناً. هي الإنجاز الفريد للفنان وحينما يقرأ الكاتب لغيره من الكتاب السابقين فهو يتعلم منهم وقد يحاكيهم أيضاً ويقول إن هناك شعراء من جامعة هارفرد يشكلون مجرة رائعة لا تضاهى ولم يسمع أن أيا منهم بدأ حياته في تعلم درس الكتابة. المقال الثالث عشر للكاتب تنسي وليمز عن مسرحية (كامينوريل). يتعجب الكاتب من أن يستغرق المرء كامل عمره في عمل مسرحية معينة، على أن هذه المسرحية قد تشبه تشييد عالم آخر يقول كاتب المسرحية الأديب السابق: شاهد شاب هذه المسرحية، وقد دون قائمة بصور شاهدها أثناء المسرحية ثم طلب مني أن أفسر معنى كل كلمة منها، ولا أذكر أني استخدمت هذه الرموز فالرموز ليست إلا الكلام الطبيعي في الدراما، وهو يرى أن الرموز إذا استعملت بطريقة تتسم بالاتقان فهي أنقى لغات المسرحيات. وأخيراً المقال الرابع عشر لأيفور براون في الثناء على الوضوح. ويؤيد الكاتب فكرة الكتابة بوضوح، بحيث يعبر الكاتب عن نفسه بوضوح، حتى يفهم عنه القارىء ويبدأ مقاله بقوله: إن الاتجاه الأدبي في هذه الأيام ليس أن تعرف ما يراد وأن تحداك امرؤ فإنك قد تهز كتفيك استخفافاً وتقول : إنك تكتب ما تكتب وما على القارىء إلا أن يجد التفسير بنفسه وهناك من يزعم أن ملاحظات المؤلف هي امرأة حبلى وما على القارىء الذي يقوم بدور القابلة، إلا أن يولدها وليس من العبقرية أن تجعل الملاحظات نفسها جداً بسيطة، فهذا الاتجاه يكشف إما عن تكلف أو كسل، وقد أوضح سويفت بدهاء أن التعريف الصادق للأسلوب (هو الكلمات المناسبة في المكان المناسب) وأنا أضيف (الافكار المناسبة في الترتيب المناسب).
كما أن أعظم كتاب النثر في وقتنا هذا هما في تقديري برناردشو وسمر سيت موم فهل كتب أي واحدٍ منهما جملة غامضة؟ حيث إن الإبهام في غالب الأحيان قد يكون طريقاً مختصراً إلى نوع معين من الشهرة، غير أنه لا يوجد شاعر عظيم، في أعماله الجيدة غموض وإبهام و من خلال قراءتي في الكتاب كنت أشعر بالملل الشديد. والسأم الذي قد يدفع إلى إغلاق الكتاب، فرغم مادة الكتاب الجيدة، إلا أن ترجمته كانت حرفيه خالية من الترابط، مما يؤدي إلى عدم التركيز في القراءة، وأحياناً إلى إساءة الفهم، ومما لاشك فيه أن عملية الترجمة مهمة في نقل المعارف، وفي تبادل الأفكار وقد كنت أعمل بقلمي في إصلاح الترجمة الحرفية حسب الوسع والجهد والطاقة وحبذا لو كان هذا الكتاب بذرة لكتاب يتحدث فيه عن الأدباء العرب وطرائقهم في الكتابة ويكون عنوانه كبار كتاب العرب كيف يكتبون؟
هذه صور من أساليب النابهين إلى عد العدة، واستكمال العتاد قبل تسطير إبداعهم الذي يأتي كالشظايا اللامعة في صورة كلمات مرسومة ومشكولة بلون ناصع، يعجب الذوق، ويحلو لكل ذائقة، وهي صور ماتعة تحكي شيئاً من سير العلماء الذاتية حين الهمة بالكتابة وهذا الكتاب المطروح تناول سير هؤلاء الأفذاذ بتتبع وترتيب، وهو مملوء بالمعلومات والإرشادات التي تجعل منك كاتباً ضليعاً، والكتاب فذ في معلوماته غير أن الترجمة الحرفية لنصوصه قللت من متعته، فما أن تبدأ القراءة حتى وتأخذك الملالة، لكن فرائد الكتاب تملى عليك الصبر والجلد، لترى كيف تخرج الأيام كتابها؟
** **
- -بنت الأعشي-