شوقية بنت محمد الأنصاري
منذ أن أعلنت وزارة الثقافة مسابقة المهارات الثقافية للطفل في عدة مسارات أدبية وموسيقية وأفلام وتراث وفنون بصرية ومسرحية، بالشراكة مع وزارة التعليم وأتاحت الروابط الإلكترونية للتسجيل ورفع المشاركات من قبل المتعلمين والمتعلمات في فترة زمنية لمدة شهر ومن ثم تم تمديدها عشرة أيام أخرى لتمكين أكبر قدر للمشاركة، وتأتي لحظة الإعلان بعد قفل المرحلة الأولى من التسجيل، وتفصح عن رقم تفاعلي سجّل أكثر من 247 ألف مشاركة للمبدعات والمبدعين في المدارس السعودية، ومن هنا تأتي رحلة التغيير لأرقام تتجاوز هذا المؤشر بخطط تنفيذية ذات جودة وتميز تليق بحراك وزارة الثقافة المشعّ في خارطة الوطن وبشكل ملفت متفرّد يرسم ملامح نهضة ثقافية سعودية لم نشهدها من قبل، لتحملنا همّتنا الإنسانية نحو مواهب الوطن الناشئة في مواكبتها لهذا الحدث الثقافي، لننثر عبر مقالتنا مقترحات ثقافية لمرحلة أكثر فاعلية وبمؤشرات ريادية واقتصادية تقودنا لننافس العالم الآخر الذي سبقنا بسنوات عديدة في دعم الحراك الثقافي للطفل، وتمثل رؤية الوطن 2030 السلطة المحكمة تجاه دعم التحولات اللوجستية، ولعل في برامج ومعسكرات مؤسسة موهبة الإبداعية الصيفية المستقطبة للطلبة ذوي المواهب العلمية تجربة بديعة تستحق المحاكاة من قبل المنظمين لمهرجانات الطفل بهيئة الأدب والنشر، لاستقطاب الأطفال والناشئة الموهوبين أدبياً وفنياً، وذلك بتنسيق معتزلات للإقامة الإبداعية الثقافية للأطفال على غرار ما أقامته هيئة الأدب في مشروع (معتزلات الكتابة) للكبار.
وهذه نقطة حاسمة نحو الريادة في أدب الطفل إذا استحكمت التنظيم بتنفيذ برامج تفاعلية تمحو الحيرة والتردد الذي عبث في تفكير كثير من الأسر المكتنزة للطفولة لقلة إمكانياتها وغياب وعْيها وتوجّهها في دعم أبنائها وبناتها عبر هذه المسابقات الثقافية والعلمية المتنوعة، والتي جعلت من التقنية الرقمية محكّاً للدعم والرعاية، عشناها كتربويين مع التحول الرقمي للتعليم عن بعد فكانت تحدياً كبيراً لمؤشر تحقيق التفاعل مع المنصة عبر أجهزة محمولة معدودة، وهذا في وجهة نظري عائق مجتمعي لقلة وعي الأسرة في اتخاذ أي قرار، مما زاد في نظري لمؤشر التأخّر عن مواكبة الحراك الثقافي الوطني المدعوم للأجيال الموهوبة، وهي ترقب مشهد حراك هيئة الأدب والنشر في الثلاث السنوات الأخيرة وفيما يقدمه من مهرجانات جعلت الطفل مستهدفها الأول ولكن دون عزيمة من الأسرة يُذكر، وهنا محكّ السؤال الجوهري للجهات المنظمة لمهرجانات الطفل هل ستستمر الفترة القادمة بنفس منهجيتها في التنظيم والمحدودية للمستفيدين؟
إن الشراكة الأسرية المجتمعية المتحضرة الواعية هي الكفيلة لتحقيق ذلك المؤشر التنافسي الذي يرسم تحولات نهضتنا الثقافية الموجهة للأطفال وبقدر يستوعب الملايين منهم، ليقفز الطفل بقفزة النهضة من الآلاف لعشرات الملايين، ليظهر لي من هذه القراءة التحليلية للواقع تفسيرٌ لمشكلة أعاقت ارتفاع نسبة مشاركة المتعلمين والمتعلمات في مسابقة المهارات الثقافية فهذا العدد (274 ألفاً) لا يشكل مقياساً للمواهب الإبداعية التي تكتنزها الأسر والمدارس التعليمية، بل يعد مؤشر عزوف للأسف مقارنة مع ما تتداوله وزارة التعليم من أرقام وإحصائيات المشاركات في المسابقات الأخرى، كمسابقة (تحدي القراءة العربي) حيث أعلنت عبر حساباتها التواصلية تسجيل أكثر من مليون مشارك من السعودية، وكذلك مسابقة (أولمبياد إبداع) للبحث العلمي الذي تنظمه ( مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع ) أكثر من 300 ألف، وهذه الأرقام هي الأجدر بالاستقطاب والرعاية في معسكرات الثقافة لتقام لها (مهرجانات الطفل ومعتزلات الثقافة) وهذا الدور الأولى والأجدر بأن تبادر به وتلعبه بقوة وزارة التعليم كونها الحاضنة الأم للمستفيدين من مشروع الشراكة التعليمية الثقافية، فمنها تبتدئ رحلة الإعلام والتسويق والتحفيز لنشر ثقافة المنافسة بين المتعلمين، وحصر بيانات المشاركين من كل منطقة ومتابعة جاهزيتهم من كنوز خبرتهم القرائية والكتابية، ومدى استعداد الأسرة لانضمام أطفالها للمعسكرات التدريبية، لضمان النظامية والحقوق للبرامج الثقافية، ومن ثم تزويد وزارة الثقافة بهذه الإحصائيات والتقارير المجهزة بعدد المتدربين (الأطفال) والمدربين التربويين ذوي الاختصاص والدراية والتجارب بما يمتلكونه من مهارات ناعمة إلهامية تثير الأطفال للحماس والدهشة والإنتاج بكل جمالية، وهنا أؤكد على التنسيق في توحيد الزمان بين مناطق المملكة العربية السعودية لإقامة (مهرجان الطفل ومعتزلات الثقافة) لمدة شهر تقريباً تتوافق مع إجازة الصيف، وباستقطاب المواهب للمهرجان بمناطقهم الإدارية، حيث الحس الوطني حاضر بقوة الوعي المجتمعي للتحول الثقافي والاقتصادي للحدث، منافسة تأخذ أبعادها الإنسانية بشكل يليق مع توجهات رؤية الوطن وتتيح لعدد من المؤسسات الثقافية الوطنية المنافسة في التنظيم، وتستقطب الكفاءات للتدريب، ليعيش الطفل معها رحلة عزلة تعيد ضوابط الحرية المترفة بداخله، وتحيي شعلة القيادة بداخلبثقة وانضباط ذاتي وفكري تستثير كنوز مشاعره، وتحرّك شغفه ليظهر جمال مواهبه، كل ذلك تحت بإشراف مباشر من وزارة التعليم ووزارة الثقافة بهيئاتها (الأدب والنشر- المسرح -الموسيقى- التراث-الأفلام-الفنون البصرية) ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع، والاستفادة من الجهات الخاصة كمؤسسة (مسك) ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي (إثراء)، لتتشكل لجان الجودة والتحسين والفرز والتطوير لاحتضان مخرجات ثقافية متنوعة الفنون تبرهن حقيقة العمل التشاركي الإنساني في الارتقاء بإبداع الطفل القارئ والباحث والعالم والشاعر والفنان، علماء المستقبل ورواد ثقافتنا العربية، وقد طرحت عدداً من الأفكار التطويرية أيضاً بمقال سابق في عدد الجزيرة الثقافية (18099) بتاريخ 28-29 محرم 1444هـ الموافق 26-27 أغسطس 2022م المعنون بـ(مهرجانات الطفل وثقافته بمنظومة التنمية الوطنية واقعها والتخطيط لنهضتها)
وخاتمة الرأي فإن كل مقومات الابتكار والإبداع والتحوّل في أدب الطفل ينبض واقعاً بمجتمعنا، لتأتي النقطة الحاسمة من أصحاب القرار والسلطة بوزارة الثقافة والتعليم والسياحة والاتصالات والترفيه لتشكّل تلك الشراكات رحلة البدء والتنفيذ لكرنفال ثقافي ريادي في أدب الطفل سياحي ترفيهي يغمس الجيل بالبيئة وتزداد معرفته ووعيه لتكاملية الرؤى بين الجهات الوطنية الداعمة لحضور الطفل بينها، وننافس بهذا الكرنفال الساحة العربية والعالمية فيما يقدم من مسابقات إثرائية كتحدي القراءة العربي الذي يجذب الطفولة من شتى أنحاء العالم متجاوزاً أكثر من 15 مليون مشترك سنوياً، فأطفالنا نهضة المستقبل ومصاحبتهم في تجربة العزلة الثقافية حتماً ستكوّن بذاكرتهم بصمة توقظ همة ذاتهم لتتهذّب بالأدب والفن، ويرتحلون عبر فضاء المعسكرات لمعالم الاكتشاف والانبهار والالتزام والنظام والدهشة من مهاراتهم المتوهجة بداخلهم، بعد أن انْتَشت وانغمست بروح التحفيز والانبهار لتُظهِر للجمهور صوتاً للإبداع يبتكر، هم الحقيقة الجمالية وبرهان العصر، وأبدع الأديب (مصطفى صادق الرافعي) في وصفهم «هؤلاء الأطفال الذين هم السهولة قبل أن تتعقّد، والذين يرون العالم في أول ما ينمو الخيال ويتجاوز ويمتد، يفتشون الأقدار من ظاهرها ولا يستنبطون كيلا يتألموا بلا طائل، ويأخذون من الأشياء لأنفسهم فيفرحون بها ولا يأخذون من أنفسهم للأشياء كيلا يُوجِدوا لها الهم».