لكل كاتب كتاب يعتز به ويراه جميلاً، ويشعر بأنه حقق به كثيراً مما يطمح إليه في رحلة الكتابة التي اختارها هواية له تملأ وقته وتجلب له المتعة والسعادة.
وكان الكتاب الذي أعتز به هو «طقوس الكتابة عند الروائيين» الذي صدر في ثلاثة أجزاء، ثم انتهى المطاف به إلى كتاب واحد، لتختاره مكتبة الكونجرس الأمريكية في عام 2013م ليكون من ضمن كتبها، بعد قدم أحد محرريها نبذة عنه بعدما اقتناه في معرض الرياض الدولي للكتاب.
كانت فكرة الكتاب قد لمعت في ذهني عندما قرأت مقالاً في صحيفة في عام 2010م عن طقوس الكاتب المصري نجيب محفوظ، وأنه يكتب في المقهى المجاور لمنزله، وبعد أن يتناول قهوته التي يحب دون أن يكون للأصوات من حوله تأثير كبير، ليعيش عالمه الخاص مع أبطال عمله الذي يكتبه.
أدركت بعدها أن لكل روائي طقوساً يحرص عليها تعينه على الإبحار في روايته، وتجعل الأمر يبدو أسهل، ولربما لم تسير الأمور كما ينبغي إذا لم تتحقق له تلك الأشياء التي يحرص عليها، فشرعت أبحث عن المزيد من طقوس الروائيين في الإنترنت بين ثنايا المواقع والصحف والمجلات، ولكني لم أحظ إلا بالنزر اليسير الذي لم أجده كافياً.
لذا كان القرار أن أخوض غمار البحث عن طقوس الكتابة عند الروائيين من الروائيين أنفسهم، ولم يكن الطريق معبداً، فالوصول إلى أصحاب هذه العقول المثيرة والأقلام المدهشة لم يكن سهلاً.
كانت البداية عندما حصرت من أريد التواصل معه من الروائيين، ثم وضعت الأسئلة الكفيلة بأن تجعله يكتب ويذكر ما أريد، حيث وضعت سؤالاً عن الوقت المناسب له للكتابة، وآخر عن المكان الذي يحب، وثالث عن الأشياء التي يحرص عليها من أجل الإبداع من طعام أو شراب أو صوت مسموع، ورابع عن ظروف كتابة تلك الرواية التي حصل بها على جائزة، أو نال بها شهرة.
وكانت الخطوة الثالثة في الحصول على وسيلة تواصل معهم، وكانت دور النشر خير معين لي في ذلك، حيث زوّدني أكثرهم بالهاتف أو البريد الإلكتروني للروائي الذي أبحث عنه.
وأذكر أني احتجت إلى شهر كي يصلني أول طقوس من روائي، كانت سعادتي به لا توصف، إذ كان أكبر دافع لي للمضي قدماً، ثم توالت الرسائل والطقوس بعد ذلك، وكم سرّني ثناء أحدهم على الفكرة، وفي المقابل ساءني صوت الغضب أو الصد من آخرين، لكن التصميم والعزيمة مع كل رسالة تستقر في بريدي أو يقذفها جهاز الفاكس كانا كفيلين بأن استمر، وعند صدور جزء منه أجد التشجيع من الناشر والقارئ لإنجاز جزء آخر مع تعداد بعض الأسماء للتواصل معها، بل إن بعض القراء تولى التواصل مع روائيين كي يحصل منهم على طقوسهم.
وبعد أن صدر الجزء الثالث، كانت الحصيلة ستين روائياً، عندها قررت التوقف لأتفرَّغ إلى أعمال أخرى، فقد امتد العمل فيه إلى ثلاث سنوات، وتوج هذا الجهد بقرار مكتبة الكونجرس الأمريكية باختياره ليكون من ضمن كتبها.
وبعد أن هدأ القلم، وتوقفت عجلة العمل، تراءى لي كل لحظات الفرح والحزن والأمل واليأس التي حصلت لي طوال ثلاث سنوات مرت ومع روائيين كثر، وستكون تلك المواقف موضوع حديث لي في مقالات قادمة.
** **
- عبدالله ناصر الداود