أحدثت الثورة الصناعية تغيرات في مجالات مختلفة ومنها شكل المدن، فاختراع السيارة والقطار ساهما في تمدد المدن أفقياً، واختراع المصاعد الكهربائية ساهم بوضوح في التمدد العمودي. ومنذ ذلك الحين تتكون المباني العمودية من نشاطين إلى ثلاثة أنشطة (سكني/تجاري/إداري)، ومواقعها إما على شكل مجموعة أبراج متجاورة في منطقة محددة (zone) أو على طريق رئيسي (corridor). وتكون محاطة بالخدمات والأنشطة المختلفة لخدمة الساكنين فيها.
إلا أن هذا الأسلوب يبدأ بالتلاشي تدريجياً، حيث تفترض التوجهات الحديثة للمباني العمودية أن يكون المبنى باستخدامات وأنشطة متعددة بحيث يشكل مدينة متكاملة في مبنى واحد باستخدام فكرة المتصل الحضري Urban Transect، والتي تقوم على تقسيم المدينة أفقياً إلى مناطق مختلفة الكثافات والأنشطة، بداية بالمناطق البعيدة بكثافات وأنشطة أقل لتصبح مرغوبة للطبقات الأعلى دخلاً الراغبين في العيش في بيوت فارهة بعيداً عن الإزعاج، إلى مركز المدينة CBD والتي يسكن فيها الطبقة الأقل دخلاً كون الوحدات السكنية فيها غالباً ما تكون صغيرة، وارتفاع سعرها للقرب من الخدمات وليس لجودة السكن، ويرمز لها بحرف (T) حيث تمثل (T1)، المناطق الأبعد من المدينة والأقل كثافة من حيث السكان والأنشطة المختلفة، ثم (T2) الأكثر كثافة وتنوع الأنشطة، وهكذا إلى أن نصل إلى (T6) وهي الأعلى كثافة وأنشطة CBD.
نأخذ من ستيفان جولدي مستشار التخطيط العمراني في بلدية العين الإماراتية عملية ربط المتصل الحضري الأفقي ورفعه بشكل عمودي، بحيث يصبح البرج الواحد مدينة متكاملة الأنشطة والخدمات، ويتضح ذلك من خلال المثال المرفق، فالدور الأرضي إلى الدور الثالث يمثل مستوى الشارع، وفيه الاستخدامات المتنوعة، وأنشطة التجزئة، باستثناء السكني (وكأنها CBD المدينة) وتمثل الـ (T6). أما الأدوار من (4) إلى (12) تمثل الاستخدامات المتعلقة بالمجتمع المحلي وكأنها الحي السكني، مثل المطاعم وصالة الألعاب الرياضية وحمامات السباحة، وهي أنشطة تخدم الجميع في البرج بأكمله، والسكني عادة يكون بسعر منخفض، وتمثل (T5).
المستوى التالي (حسب عدد الطوابق في المبنى) فهو يتعلق بالمدينة ويمثل الـ (T4) ويشمل الفنادق الدولية، والمكاتب المرموقة للشركات والمنظمات الدولية، والمطاعم الفارهة. بالإضافة إلى استفادة العيادات والكليات المتخصصة من هذه المنطقة، باعتبارها مرافق على مستوى المدينة.
وعند المستوى التالي المتعلق بالطوابق العليا بالمبنى، يتم التركيز على الوحدات السكنية لأصحاب الدخل الأعلى، بحيث يكون هذا المستوى يمثل الـ (T3)
برج خليفة في دبي يعتبر مثالاً لهذا النوع من المباني لدرجة أنه في شهر رمضان المبارك فإن فارق التوقيت بين أعلى المبنى وأسفله يصل إلى (3) دقائق تقريباً بمعنى أنه على الساكنين أعلاه أن ينتظروا حوالي (3) دقائق لحين دخول وقت الغروب عندهم، وهذا شبيه لما يحدث في المدن بحيث إن خارج المدينة يفرق التوقيت عن داخل المدينة.
أخيراً ..
فكرة البقاء داخل مبنى دون الخروج منه قد لا تروق للبعض، ولكنه عموماً توجه يمثل خياراً وليس إجباراً ...
ما بعد أخيراً ... قد تظهر المدن المباني.. وتتلاشى مباني المدن.
** **
- خالد الذييب