لم تكن جلسته على كرسي معدني سهل الطي طوال ساعتين من عمر الزمان سهلة, يقلب سيجارته بين أصابعه، ويخط بعصاه على رمل المكان المحيط بالقهوة الشعبية تارة أخرى عمر من الزمان يقضيه ليشغل وقته الذي كان يومًا مكتظًا بين أروقة المكاتب يتنقل بين موظفيه ليدب فيهم روح العمل ويلهمهم بأفكاره وروحه الوثابة..
أكملت مشواري على نفس الخط البحري أداعب بخطواتي رمالًا تمازجت بمد يكاد ينحسر، تلتقط عيناي بعد خطوات أشباهه في مواضع شتى، فرادى وجماعات ينفضون غبار سنين خلت.
همهمت، إذا دارت عجلة الزمان عاجلًا غير آجل ماذا سيكون المصير؟ وإلى أين ستحط الرحال؟
هل إلى جدران الغرف ؟ التي لم نألف منها يومًا إلا ما نراه في حدود اهتمامنا، علنا نرى زواياها المهملة، أم مع الأصحاب؟ نبتر بوجودهم ساق الزمان الذي أصبحت عقاربه تدق بصوت عالٍ يزمجر على رؤوسنا، بعد أن تخطى حاجز القوة والشباب ليقول كفى.
هل ستكون للخبرات مجال؟ أم ستمنح الهوايات المنال؟ أم للكيف سيكون جُل المآل؟
يلملم الغواص عدته ليخلق حياة في حياة، يعيش الهواء داخل الماء يصارع بيئتين لينعم بسويعات جمعت الهواية والفراغ، ليكتسب معهما خبرات قد يوظفها يومًا.
وكأننا بذلك، نستجلب ما فات حتى لا يفوت.. ولا شك هنا أن من تزود منها لآخرته قبل دنياه، فهو الفائز.
عندما التقينا في أمسية الجمعة، طرحتُ الموضوع مرة أخرى للنقاش.
وختمته إن أثر ما تركتموه محفور في صخور علقت في الأهداب لم تنغلق بهما عين إلا وفتحت عليها.
كانت تصارع دواخلها، وهي بين مطرقة البنك وسندان مستقبل أولادها اليتامى,
فلم أَعِ إلا والورقة تخرج من حقيبتها وتذيل عليها توقيعها، بعد أن حبستها لفترة طويلة، فقالت وجدت مصدرًا جديدًا سيكون أقل إرهاقًا ومناسبًا لعمري.
فسردت لها أبيات السياب:
أريقي على ساعدي الدموع
وشدي على صدري المتعب
فهيهات ألا أجوب الظلام
بعيدًا إلى ذلك الغيهب
فلا تهمسي / غاب نجم السماء
ففي الليل أكثر من كوكب
قد يسلك النهر مجرى لسنين ويطمر ولن يثنيه ذلك فما يلبث أن يشتد تياره ليشكل مجرى آخر ليتجدد معه وبه الأمل.
الأهم من هذا وذاك أنه لا توجد حقيقة ثابتة بما يربطه البعض بين العمر والعطاء، إنما ما يجب الالتفات إليه لتصحيح المسار فيه، هو أن العطاء لا يرتبط بعمر ولكنه يرتبط بقناعة فهم معناه وبنوعية تناسب الإمكانيات والعمر.
فاختر ما تراه مناسبًا لتجد ذاتك أولًا، ثم البقية تأتي.
** **
عائشة بنت جمعة الفارسية - سلطنة عمان