د. فهد بن أحمد النغيمش
ذكر شرّاح اللغة وعرَّابها أن الأسماء ترتبط بالمسميات بعلاقة تلازم، بحيث إذا ذكر الاسم، لزم استحضار معنى المسمى، فهو يدل عليه دلالة لزوم وتعيين. لذلك، فإن الأسماء تُعَدّ قوالب للمعاني، تدل عليها. وقد اقتضت الحكمة، أن يكون بينهما ارتباط وتلاؤم؛ وألا يكون المعنى بمنزلة الأجنبي المحض منها، الذي لا تعلق له بها؛ فإن الواقع يشهد بخلاف ذلك؛ إذ إن للأسماء تأثيراً في المسميات، وللمسميات تأثير في أسمائها، في الحسن والقبح، والخفة والنقل، والمناسبة والكفاية كما قيل:
وقلَّ أن أَبْصرتْ عيناك ذا لقبٍ
إلاّ ومعناه، إن فكرت، في لقبه
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه غيَّر اسم «عاصية»، وقال: أنت جميلة. وغير اسم «حزن»، جد سعيد بن المسيب، وجعله «سهلاً».
ومن الأمور المستحدثة في زماننا وفي مجتمعاتنا المتأخرة إطلاق المعرفات والمسميات على أماكن أو أشخاص أو أحداث بينهما من الاختلاف، بل قل من التنافر ما لا يستقيم معه اللسان أو يتماشى مع الفكرة والهدف خاصة المسميات التجارية التي تفجأك بين الفينة والأخرى، فالمتنبي الملقب بشاعر العرب نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، شعره لا يزال إلى اليوم مصدر وحي للشعراء والأدباء. فهو أحد مفاخر الأدب العربي. إذا ذكر اسمه تبادر للأذهان الشعر والحكمة والأدب الرفيع، يستساغ أن يكون اسمه لوحة مضيئة علت صالوناً أدبياً أو مكتبة علمية أو دارة بحثية لكن أن يكون لوحة على محل للحلاقة أو مخبز يبيع فتات التميس فذاك مما يتنافى مع العقل والفكر والدلالة وقس على ذلك الكثير من المسميات التي لا تتوافق ضمناً ولا معنى مع المدلول والمقصود، فالرازي أحد أبرز علماء العصر الذهبي للعلوم إن لم يكن أعظم أطباء المسلمين لا تتعجب أو تأخذك الدهشة حين تشاهد اسمه فوق مطعم بخاري يبيع أرزاً بريانياً وحبة من دجاج الشواية!
والأمثلة في ذلك كثيرة وعديدة تفجأك بها المحلات التي اكتست بها الشوارع والطرقات!
نحتاج فعلاً إلى أن نبرز علماء المسلمين ومبدعيهم ونحيي ذكرهم ولكن وفق اختصاصاتهم ودراساتهم التي أفنوا أعمارهم من خلالها في البحث والتأليف والاكتشافات، نريد أن تكون لوحات المحلات التجارية أداة مساعدة وفاعلة في تعليم أبنائنا من هم علماء المسلمين حاضراً وماضياً، فحين ترى اسم العالم الإسلامي عالم الطب ابن سيناء على مركز طبي يتبادر للأذهان أن له علاقة بالطب وأهله، وحين نذكر الإمام البخاري فذلك يعني أن هناك مكاناً للعلم والحديث ورجالاته لا معرضاً للأثاث ومستلزماته!
الذي أعرفه وقد يعرفه غيري أن هناك ضوابط معمولاً بها في الأحوال المدنية لتسجيل المواليد مهمتها تفحص ملاءمة الأسماء ومدى قبولها من الناحية الشرعية أو الأخلاقية أو الذوق العام ولا أعرف حقيقة هل يوجد هناك ضوابط في وزارة التجارة أو الأمانات إن كانت معنية ذلك تعنى بالاسم المختار ومناسبته للنشاط التجاري من عدمه وأتمنى أن تكون موجودة حفاظاً على الذوق العام وإدراكاً لأهمية الغرس والتعليم في ناشئتنا ومجتمعاتنا.