سهوب بغدادي
فيما يعترض الإنسان في حياته عدد من المحطات الفاصلة والتي تشكل حياته ونظرته للأمور كالتخرج والزواج والطلاق -لا قدر الله- وغيرها من عوارض الأيام، وقد تساهم هذه المتغيرات في تحسين حياة الفرد إذا ما وظفها بالطريقة المثلى، وقد تنقلب حياته رأسًا على عقب في حال ركون الشخص إلى نفسه ويأسه من التفكر أو البحث عن الجانب المشرق في الخطب، لطالما سمعنا عن أزمة منتصف العمر وأشبعت مسامعنا وأذهاننا بما تتصاحب معه من طيش ويأس ومحاولات مستميتة للتحرر من إطار معين وما إلى ذلك.
إن العصر الحديث «عصر السرعة» يقرب البعيد في لمح البصر لذا لا نستبعد أن يتمكن الإنسان من عيش ما كان سيعيشه ويختبره بشكل مبكر وفي عمر مبكر، إذ برز مصطلح «أزمة ربع العمر» وهي التي يعاني منها الشباب في العشرينيات من العمر، فيشعر الشاب والشابة بانتهاء الشغف مبكرًا، ونضوب منابع الإبداع والأمل المرتبط بهذه الفترة العمرية، كما تعد الهشاشة النفسية أحد أبرز الأعراض المصاحبة للأزمة، والإحساس العام الذي يخيم على سماء الشخص هو الخيبة، نعم الخيبة من النفس وفي الذات ومن الوضع، وتنبع الإشكالية من المقارنات غالبًا، فمن وصل عمر 28 ولم يتخرج من الجامعة يشعر بالخيبة، ومن تقف على آخر عتبات العشرين ولم تتزوج تشعر بالخيبة أم أن من حولها يعكسون ذاك الشعور لها، ومن لم يصبح مديرًا في نهايات العشرين يصاب بالخيبة عندما يرى ويسمع عن شخص من جيل الألفية بما فيهم من الجيمرز واليوتيوبرز والتيكتوكرز، والانفلونسرز، وغيرها من المسميات الغريبة لممتهني الوظائف غير التقليدية والحاصلين على مداخيل يومية مهولة تقدر بعمر وظيفي ومسيرة حياة بأكملها أو تزيد عليها.
كل هذه الأمور والمعايير التي فرضت علينا أو فرضناها على أنفسنا من خلال تداعيات العولمة والرقمنة والأتمتة إلى آخر القائمة... تجعل الشخص في حالة هذيان وريبة وشك وجري غير منقطع وتحصيل لا متناهٍ لهدف وهمي ولكنه مرئي ونشاهده كل يوم على جهاز بحجم الكف، بالأحرى إنها ليست أزمة ربع العمر بل أزمة بداية العمر وأزمة طفولة، فلم يعد الطفل يحلم بأن يصبح طيارًا أو دورًا أو معلمًا، «ما هذه الأمنيات»؟ الطفل يريد أن يصبح مشهورًا لماذا؟ ليجلب المزيد من مظاهر العولمة والوحشة والعزلة، ظنًا منه أنها ستكسبه اهتمام الآخرين وتحيطه بالمحبين وإن كانوا رقميين أو مجرد زيادة عدد في خانة ما، أعرف أشخاصًا في العشرين وقد علت الشيخوخة عقولهم وأرواحهم، كذلك رأيت شبابًا وشابات في عمر الخمسين والستين وتفاجأت ثم استبشرت أن أكون شابة مثلهم عندما أكبر.
إجابةُ كل طفل على سؤال ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر يجب أن تكون: «أبغى أصير شباب».