عبدالمحسن بن علي المطلق
هي (فترةٌ) تقل اللقاءات ولا أجزم بالقول إنها تنقطع، والسبب بالغالب أن في عيد الفطر..و ربما ما يتبع بضعة أيام تتكرر -الزيارات -ما يجعل هذه الفترة لتخبت بعدها الحنينية، وإن حضرت فتُرحّل، فلا يبرح منها إلا ما يؤمّل للقاء شبه مضروب بالعيد التالي،آتٍ.. (70 يوماً) بالكثير حين يحلّ يوم الحج.
فتذكّرت حديثاً أخرجه النسائي وأحمد رحمهما الله عن أُسامة بن زيدٍ رَضِي اللهُ عنهما: «قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، لم أرَك تصومُ من شهرٍ من الشُّهورِ ما تصومُ شعبانَ قال صلى الله عليه وسلّم: (ذاك شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ) و لا ضير بهذه، لأن الناس اليوم في شُغل لا أقول فكهون(1)، ولكنهم بظروف (2) وأحوال دنياهم منهمكون، ففي آيات وضّحت عن أتعاب الإنسان برحلة الحياة على الأرض وأنه بها كادح في تحمل أعبائها وجاهدٌ يشقّ طريقه ليصل في النهاية إلى ربه، فإليه المرجع وإليه المآب، لكن بعد ذاك الكد والكدح والجهاد، ولهذا فمن خيرات أهل الجنة ما جاء في قوله تعالى: {لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ}(3)
يعني: المشقة والأذى، فالحياة بالجنّة لا تقبل شيئاً من الآفات عدا أنه مسّ من لا يحسّ بترادف زياراته يوم كان القوم لديهم من (الفرغ) ما يبلغ بعد حينٍ معنى: من أكثر الترداد أعياه الملل فكيف بهم اليوم والذي أمسى مستغرباً من طارق (وإن كان قريباً) لكن ليس بينك وبينه من أمور الدنيا.. ثم بعد السلام والترحاب، يرتشف معك قهوتك ويمضي لسبيله، ألا حدّثت نفسك لعل هناك داع لزيارته أو لديه خطب غاظت ذاته فثقل عليه أن يبديه، وربما سما الخجل على كرامته أن يطرحه ولو قال لك لم يأتِ بي إليك سوى الشوق، لرددت ب(داخلك) وغيره..
و هنا لا بأس من التذكير بحديث باسق من يقصده وإن كان بعصرنا قليلٌ من يعير أبعاده العناية ( زارَ رجُلٌ أخًا لَهُ في قريَةٍ فأرْصَدَ اللهُ لَهُ ملَكًا علَى مَدْرَجَتِه، فقال: أينَ تُرِيدُ؟ قال: أخًا لِي في هذِهِ القرْيَةِ، فقال : هل لَّهُ عليكَ مِنْ نعمةٍ ترُبُّها؟ قال: لَا؛ إلَّا أنِّي أُحِبُّه فِي اللهِ، قال : فإِنَّي رسولُ اللهِ إليكَ أنَّ اللهَ أحبَّكَ كمَا أَحْبَبْتَهُ) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
لكن شتان بين من يفعل هذا وذاك الذي زار وهو يجمع بين الزيارة وبين الداعي الذي لديه، هذا ..فضلاً عمن زار لغرض، ثم توارى خلف حيائه أن يقول به.
المهم أن الحالة الفردية التي تغشى المرء فينكفئ على ذاته، وتتقطّع أوصال اتصالاته في أحايين بالآخرين ما تلفى لها مثيل مُكافئ ما يغشى الجملة من الناس بمثل ما تقدّم بالأسطر السابقة.
أقول بهذه ولا أجزم .. كي يُعذر بعضنا بعضاً إن وجد أحدنا انطواءً من صاحبه في فترة ما.. أن لا يلوم، وكذلك لا يلام الناس في فترة يقلّ بها التواصل.
وللعلم إن هذه ليست بدعاً ففي فترات من مثل مطلع العام الدراسي، وتتضح -تلك الفترة -أكثر أيام الامتحانات التي أُوجز عنها ب» يُكرم المرء أو يهان»، أي يُكرم بالنجاح والفلاح، أو بعدها ب.......(4)
________
1) أتى في آية (فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) عن وضع أهل الجنة همُ يومئذٍ، قال مجاهد: فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ أي: في نعيم معجبون، أي: به، وكذا قال قتادة.
2) ملحظ لمن اختلط عليه هل تُكتب ظرف أو ضرف، فإن له في البدائل مندوحةً فليقل عندي شواغل أو موانع أو عوائق..
3)كما جاء في الصحيحين : « إن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب».
4)وتدبّر حال من أوتي (كتابه وراء ظهره.. ) فتلك هي هيئة الكاره المكره، الخزيان من المواجهة.
ولا غرابة، ففي كتاب الله من التأديب.
ما يكفي، من مثل {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ} (10) سورة الإنشقاق.