محمد سليمان العنقري
قبل أيام قليلة أكملت رؤية المملكة عامها السابع محققةً قفزات كبيرة في المنجزات بل إن العديد من الأرقام المستهدفة بعدة قطاعات تحققت قبل موعدها وهي مؤشرات على مدى العزيمة والإرادة والتخطيط والمتابعة والإمكانيات التي وظفت جميعها للوصول لما تحقق, فالناتج الإجمالي نما خلال هذه الفترة بأكثر من 50 بالمائة من 2،587 تريليون إلى 4،100 تريليون ريال ليتجاوز بذلك ولأول مرة مرة حاجز تريليون دولار في العام الماضي كواحد من أعلى معدلات النمو بالعالم والأفضل في مجموعة العشرين مع تحقيق الإصلاحات الاقتصادية للعديد من الأهداف بتعزيز الاستدامة المالية ومواجهة الأزمات التي عصفت بالاقتصاد العالمي, وقد شمل النمو الاقتصادي مجمل القطاعات وخصوصاً الحديثة منها في النشاط الاقتصادي المحلي كالسياحة والترفيه والتعدين والخدمات المالية وصناعة التعدين ومن بين القطاعات المهمة يبرز قطاع الثقافة الذي يعول عليه بأن يمثل 3 بالمائة من الناتج الإجمالي عام 2030 وفق استراتيجيتها والدعم والإمكانيات التي وفرت للنهوض به.
فالحديث عن قطاع الثقافة يعني بالضرورة النظر لحجم تأثيره في الاقتصاد الإبداعي وهو المصطلح الذي أطلقه الباحث البريطاني «جون هوكنز» الذي جمع «الإبداع، والملكية الفكرية، والإدارة، ورأس المال، والثروة» كمكونات للاقتصاد الابداعي، وحدد في كتابه «اقتصاد الإبداع»، 15 نشاطًا تشمل مجالات متنوعة، مثل الفنون، والتعليم، والتكنولوجيا، فمفهوم هذه الاقتصاد واسع وقد قدرت الأمم المتحدة حجمه بحوالي 2،2 تريليون دولار عالمياً بما يمثل 3 بالمائة من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي كما يسميه البعض بالاقتصاد البرتقالي وهو رمز للون الذي استخدمه المصريون القدماء للثقافة والإبداع.
فالسوق الثقافية ضخمة بحجم فرصها لكن عند البحث عن الأرقام التي تعكس حجم النشاط الثقافي فإنها غير متوفرة بالشكل الواضح لكل نشاط فبعيداً عن بعض التداخلات بين بعض الأنشطة وقطاعات أخرى كالسياحة فإن أنشطة كالفنون البصرية لا تجد لها أي أرقام تعكس ما يحدث في هذا السوق المليئ بالفرص, فعند تأسيس الهيئة المعنية بالفنون البصرية كان ينتظر منها الإسراع بتنظيم هذا السوق رغم أن استراتيجيتها تركز على ذلك لكن الأسئلة التي تطرح نفسها كم حجم سوق الفنون البصرية؟ ماهي القواعدالتنظيمية التي أقرت لتضمن حقوق كل الأطراف؟ لماذا ينشط الكثير من الفنانين بعرض أعمالهم في مواقع التواصل؟ فلو كان هناك تنظيم يعزز العلاقة بين الفنان وصالة العرض ويضمن حقوقهم جميعاً لما تم التسويق بهذا الشكل العشوائي مع الحاجة لإصدار تنظيم « الوكيل الفني» ليتولى هو نشر وتسويق أعمال الفنانين بدلاً من الطريقة التي تسوق وتعرض بها حالياً, بالإضافة لحقوق المقتني الذي لا يجد آلية تحكم التسعير بمعنى زيادة بعدد المهنيين الذين يمكنهم أن يقيموا الأعمال ويلعبوا دوراً بضبط التسعير الذي بدا يرتفع بشكل كبير لأعمال قد لا تستحق عشرة بالمائة من الأسعار التي تعرض بها, فهذا الغلاء يحد من انتشار ثقافة الفنون بالمجتمع إضافة لما ينتشر من دورات رسم وورش لا أحد يعلم إن كانت قد حصلت على رخصة ومن هي الجهة المعنية بذلك وإذا كانت مرخصة فهل تم مراجعة برامجها خصوصاً دورات تعليم الرسم حتى تكون ذات جدوى والأهم لماذا لا يكون هناك تنظيم يحدد الرخص وأنواعها بحيث لا يبقى هناك مجال لأي عشوائية بصقل مواهب الرسامين الجدد إضافة للحاجة لتوثيق الأعمال وإصدار شهادات لها فهناك الكثير من العمل يتطلبه هذا السوق الواعد فالتساؤلات المطروحة لا يوجد لها إجابات منشورة او أرقام توضح حجم وطبيعة نشاط الفنون البصرية بأنواعها وعلى رأسها الفن التشكيلي.
ولا يختلف الحال كثيراً بقطاعات ثقافية أخرى فكم عدد الكتب والروايات التي طبعت وسوقت محلياً خصوصاً للأدباء والكتاب السعوديين فهيئة الأدب والنشر والترجمة لديها استراتيجية ومبادرات لكن هناك حاجة أكبر لتفعيل دور الأدب بالحركة الاقتصادية فكم رواية سعودية تحولت لعمل فني قياساً بما يعرض على القنوات التي تستهدف السوق السعودي وهو الأكبر والمستهدف دائماً فهناك حاجة لحضور الأدب السعودي بمختلف الطرق والوسائل ولا يكفي أن نقيم المعارض لذلك فالهدف استثمار كل القنوات لنشر الثقافة السعودية ودعم الاقتصاد الإبداعي من خلالها بل عند سؤال بعض الروائيين عن مدى مردود أعمالهم مادياً عليهم تتفاجأ بضعف العائد قياساً بالمجهود الذي بذلوه فهناك خلل ما موجود يحتاج لتنظيم العلاقة بين الأديب ودار النشر والوكيل الأدبي حتى لا يكون المبدع هو الحلقة الأضعف بل إن بعضهم جاءتهم عروض من وكلاء من خارج المملكة وقد اطلعت على مسودة الاتفاقيات والتي كانت جائرة وتخدم ذلك الوكيل الأدبي من دول مجاورة حتى إنه عند وقوع أي خلاف فالشرط أن يكون التحكيم في دولة الوكيل ووفق انظمتها وهو ما يعرض الأديب لتبعات قد تتسبب له بخسائر, فلماذا لا تسد هذه الثغرة بحيث لا يمكن لأي وكيل أدبي من الخارج ان يعمل أي عقد بالمملكة إلا بعد ترخيصه من هيئة الأدب والنشر وأن يكون كل شيء بالعقد خاضعاً لأنظمة المملكة وأن يكون التحكيم فيها، ولا يختلف الأمر على بقية أنشطة الثقافة فكم فيلماً ساهمت بها هيئة الأفلام وما العوائق التي تقف دون التقدم بالإنتاج المحلي؟ فمهرجانات الأفلام خطوة جيدة لكنها ليست ألا مبادرة بسيطة قياساً بما لو أن سوق الإنتاج تطور وزاد عدد الأفلام بشكل كبير فكم عدد الوظائف التي ستولد والعوائد الكبيرة من حركة الإنتاج الفني فما ذكر هي مجرد أمثلة على بعض انشطة الفنون والثقافة ولا يعني أن بقية الفنون وصلت لمستهدفاتها او تأثيرها بالاقتصاد الإبداعي وفق الاستراتيجيات المعلنة.
الاقتصاد الإبداعي واسع المفهوم ويشمل أنشطة عديدة لكن في الشق الثقافي والفنون تحديداً هناك فرصة كبيرة جداً للنمو وجذب الاستثمارات, فالوصول لهدف استراتيجية الثقافة بأن يمثل هذا القطاع 3 بالمائة من الناتج المحلي يعني أننا على موعد مع رقم يقارب الـ150 مليار ريال سنوياً عام 2030 وهو ما يتطلب جهداً مضاعفاً في ما تبقى من سنوات لذلك التاريخ حتى لا يتأخر عن بقية القطاعات خصوصاً التي تتداخل معه والبداية هي من حصر وإحصاء دقيق لحجم السوق إضافة لإزالة أي تحديات أو عقبات تنظيمية أو تمويلية تقف بوجه تطوره.