د.علي آل مداوي
لعبت الدبلوماسية السعودية دوراً كبيراً في الاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، والمراقب لما يجري على الساحة الإقليمية والدولية يدرك تماماً دورها المحوري في تعزيز الاستقرار والأمن, وبرز دورها وأصبحت كل وسائل الإعلام الإقليمية والدولية وكل المحللين السياسيين الدوليين يشيدون بدورها الرائد ولم يقف عند هذا الحد بل أشاد الإعلام الدولي بمواقفها الإنسانية المستمرة.
ونجحت في حضورها الدبلوماسي في التواجد والتفاعل بقوة داخل المجتمع الإقليمي والدولي عبر دعم استقرار المنطقة باستخدام نهج تصفير الأزمات, وفتح آفاق للحلول الدبلوماسية مثل عودة العلاقات مع طهران، ودورها في حل الأزمة اليمنية، وعودة العلاقات مع سوريا.
ودورها الحيوي في إجلاء المواطنين العالقين في السودان التي بات ينظر لها العالم نظرة شرف واعتزاز بمواقفها الإنسانية الثابتة، وذلك على خلفية اندلاع الأزمة السودانية الداخلية، ودورها الإيجابي في مساعيها لتسوية الأزمة الأوكرانية، ومكافحة الإرهاب الدولي والتصدي لكل التهديدات والممارسات المخالفة للقوانين والأعراف الدولية، والانضمام إلى تحالفات وشراكات تجارية اقتصادية وأمنية وسياسية واستثمارية لتحقيق الأمن والاستقرار العالمي، والمساهمة في النهوض باقتصادات الدول واستقرار أسواق النفط والطاقة العالمية، إلى جانب المشاركة في جهود الحفاظ على المناخ العالمي، وسوف نتحدث بتفصيل أكثر وهي كالتالي:
إحياء العلاقات مع إيران
وصل الفريق الفني للمملكة المعنيّ بمناقشة آليات إعادة افتتاح ممثليات السعودية في إيران إلى العاصمة طهران، وذلك إنفاذاً للاتفاق الثلاثي المشترك السعودي - الإيراني - الصيني. وكذلك وصول وفد إيراني إلى العاصمة الرياض لبحث إعادة فتح الممثليات الدبلوماسية الإيرانية.
وعودة العلاقات الدبلوماسية مع طهران وفتح السفارات واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعقد مؤخراً اجتماع سمو وزيرنا مع وزير الخارجية الإيراني في بكين لتفعيل ذلك ومناقشة سبل تعزيز العلاقات الدبلوماسية بينهما، وفي هذا الصدد تقرر استئناف الاتفاق الأمني الموقع بينهما عام 2001، وتنفيذ الاتفاقية العامة الاقتصادية والتجارية والاستثمار والتعاون الفني والعلمي والثقافي والرياضي الموقع بتاريخ 27-5-1998م.
وفي إطار مواقف المملكة الإنسانية، وصل 65 إيرانياً ضمن من تم إجلاؤهم من السودان الذي يشهد معارك منذ أسبوعين على متن سفينة سعودية إلى ميناء جدة، وهم أول مجموعة إيرانيين تنقلهم السعودية منذ بدء عمليات الإجلاء.
وفي ذات السياق وجّه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني الشكر إلى المملكة لإجلاء 65 مواطناً إيرانياً من السودان مؤخراً.
إحياء العلاقات السورية
عودة العلاقات الدبلوماسية بعد مرحلة قطيعة استمرت لأكثر من 12 سنة، فقد استقبل الرئيس السوري في دمشق سمو وزير خارجيتنا، وفق ما أعلنت عنه وزارة الإعلام السورية، في أول زيارة رسمية لمسؤول سعودي إلى سوريا.
وتأتي الزيارة بعد أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى جدّة، وفي وقت تبحث فيه دول عربية إمكانية عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.
واتفق الجانبان في البيان المشترك، الذي بثته وكالة الأنباء السعودية، على أهمية حل الصعوبات الإنسانية ووصول المساعدات إلى سوريا، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين إلى مناطقهم وتوفير بيئة آمنة لهم.
قمة تشاورية في جدة
وطالب البيان الختامي الذي أصدرته وزارة الخارجية للاجتماع التشاوري لوزراء خارجية دول مجلس التعاون ومصر والأردن والعراق بدور قيادي عربي لحل الأزمة السورية.
الحل الدبلوماسي للأزمة اليمنية
كما تواصل المملكة جهودها بالدعم السياسي بل تسعى لتقديم دعم اقتصادي للحكومة اليمنية لحرصها على دعم اليمن والشعب اليمني، وتحقيقاً لمصلحتها في استتباب الأمن لدى جيراننا.
وفي هذا الإطار قال سفير خادم الحرمين الشريفين لدى اليمن، محمد آل جابر، إن لقاءه مسؤولين حوثيين بحضور وفد من سلطنة عُمان في العاصمة صنعاء، هدفه «تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار» وصولاً إلى «حل سياسي شامل ومستدام» للأزمة في البلاد، التي مزقتها الحرب لسنوات ممتدة.
وأضاف، في حسابه عبر تويتر، أنه «استمراراً لجهود المملكة لإنهاء الأزمة اليمنية ودعماً للمبادرة التي قدمتها المملكة في 2021، أزور صنعاء وبحضور وفد من سلطنة عمان الشقيقة».
وأوضح أن هدف زيارته «تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار ودعم عملية تبادل الأسرى وبحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام في اليمن».
وقال إن المملكة وقفت لعقود مع اليمن «في أحلك الظروف والأزمات السياسية والاقتصادية، ولا تزال الجهود الأخوية مستمرة منذ العام 2011، لتحقيق تطلعات أبناء اليمن الشقيق بعودة الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي».
الأزمة السودانية ومواقف المملكة ودورها الإنساني
أشادت الدول الشقيقة والصديقة بمواقف المملكة الإنسانية ودور دبلوماسيتها واللوجستي الكبير الذي قدمته في عملية إجلاء الرعايا المستمرة، وذلك على خلفية اندلاع اشتباكات دامية بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم، ومدن أخرى، وسط دعوات دولية لوقف الحرب الأهلية.
وهذه المواقف الإنسانية ليست بغريبة على قيادتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظهما الله، إذ لازالت المملكة تواصل عملياتها الإنسانية إنفاذاً لتوجيهات القيادة الرشيدة لإجلاء رعايانا وأيضاً مواطني العديد من دول العالم من السودان التي تشهد أزمة داخلية حالياً.
إشادات عالمية بجهود المملكة على مواقفها الإنسانية
أشادت عدد من المنظمات الدولية ما قامت به المملكة من مواقف إنسانية التي تبلورت بإسهامها في إجلاء مواطنيها من السودان، وشكرت المملكة على جهودها المبذولة سواء في إنقاذ الرعايا أو محاولة لإيجاد حل للأزمة السودانية.
ومن بين تلك المنظمات الدولية، منظمة الأمم المتحدة على لسان الناطق الرسمي دوغاريك لها الذي قدم الشكر إلى القيادة السعودية على تيسير وصول موظفي الأمم المتحدة وأسرهم.
كما أشاد معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، السيد حسين إبراهيم طه، بما قدمته المملكة العربية السعودية من جهود متنوعة وحثيثة ساهمت في إجلاء رعايا دول أعضاء في المنظمة، بالإضافة إلى دول أخرى غير أعضاء، وطواقم من الدبلوماسيين والعاملين الدوليين، فضلاً عن أعداد من المدنيين.
كما أشاد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، بالدور الدبلوماسي واللوجستي الكبير الذي قدمته السعودية في عملية إجلاء رعاياها ورعايا عددٍ من الدول الخليجية والشقيقة والصديقة، وعددٍ من المدنيين والدبلوماسيين والمسؤولين الدوليين.
وكذلك البنك الدولي، ورابطة العالم الإسلامي، الذين أقروا جميعاً بالدور الكبير الذي اضطلعت به المملكة منذ اندلاع الأزمة.
الرئيس الأمريكي يشكر المملكة
أعلن فخامة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين من السودان ووجّه الشكر إلى المملكة مشيداً بمساعدتها الحاسمة على تحقيق هذا الهدف.
وفي ذات السياق توجه قنصل الولايات المتحدة الأمريكية في جدة، فارس أسعد، بالشكر إلى قيادة المملكة العربية السعودية على الجهود التي تبذلها لإجلاء العالقين من جميع الجنسيات من السودان، وقال القنصل الأمريكي «أتقدم بالشكر الجزيل لقيادة المملكة على نقلها رعايانا من السودان إلى جدة»، وأشار إلى «أن جميع إجراءات المملكة قوية ومحكمة».
كما جددت وزارة الخارجية الأمريكية شكرها للمملكة على إجلاء رعاياها من السودان.
وفي إطار العلاقات الإستراتيجية بين البلدين الصديقين صادق مجلس الشيوخ الأميركي على تعيين مايكل راتني سفيراً جديداً للولايات المتحدة في المملكة.
وأوضحت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها، أن مجلس الشيوخ صادق على تعيين مايكل راتني سفيراً لواشنطن لدى الرياض.
وأوضح البيان أن راتني سيعمل على «استمرار 8 عقود من العلاقات الثنائية القوية بين البلدين تشمل المصالح المشتركة في مجالات الأمن الإقليمي والتجارة».
وعلى حساب وزارة خارجيتنا في «تويتر»، كتبت: «نيابة عن سمو وزير الخارجية.. وكيل الوزارة لشؤون المراسم عبدالمجيد السماري يتسلّم نسخة من أوراق اعتماد سفير الولايات المتحدة الأمريكية المعيّن لدى المملكة، مايكل راتني».
الصين تشكر المملكة
وتعبيراً عن امتنان الصين لجهود المملكة في إجلاء رعاياها، قال ممثل السفارة الصينية لدى الرياض: «نريد أن نشكر قيادة المملكة على دعم الصين لإجلاء أكثر من 1100 مواطن صيني إلى ميناء جدة من السودان».
سفير بريطانيا لدى المملكة يشكر
وقال سفير بريطانيا: نشكر المملكة على إجلاء المواطنين البريطانيين من السودان. فجهود المملكة الإنسانية خلال الأزمة السودانية كانت على مستوى عالٍ، وهي معروفة بالكرم والضيافة.
باكستان تشكر المملكة
وأعرب دولة رئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، عن شكره لقيادة المملكة العربية السعودية وجمهوريتي مصر وتركيا، على المساعدة في إجلاء الباكستانيين العالقين في السودان.
لبنان تشكر المملكة
وشكرت وزارة الخارجية اللبنانية القيادة السعودية لإجلائها 52 مواطناً لبنانياً على متن إحدى سفنها من السودان.
ليبيا تشكر المملكة
كما قدم القنصل الليبي لدى المملكة عبد الرزاق المنسي، الشكر إلى قيادة المملكة العربية السعودية، على احتضانهم لجميع الجاليات العربية العالقة بمنطقة الصراع في السودان.
وقال المنسي، في تصريحات متلفزة عبر قناة «الإخبارية»، إن هذا الموقف ليس جديداً على المملكة، مشيراً إلى الجهود التي بذلتها من أجل ضمان وصول الرعايا آمنين.
كوريا الجنوبية توجه الشكر لحكومة المملكة
وقدم سفير جمهورية كوريا الجنوبية لدى المملكة، بارك جون يونغ، الشكر إلى المملكة، وذلك لجهودها الحثيثة لإجلاء الرعايا الكوريين من السودان.
وقال في تصريحات لقناة «الإخبارية»، إن المملكة بلد يدعم الإنسانية، موضحاً أنه لا يستطيع التعبير عن مشاعره بسبب هذه المجهودات ونقل الرعايا الكوريين من السودان إلى المملكة.
سفير اليابان يوجه الشكر للمملكة
كما قدم السفير الياباني لدى الرياض، فوميو إيواي، الشكر إلى المملكة على المساعدة في إجلاء رعايا بلاده والدول الصديقة من السودان إلى جدة.
وقال السفير الياباني، عبر حسابه بموقع التدوينات القصيرة «تويتر»، إنه «تم إجلاء المواطنين اليابانيين الراغبين في مغادرة السودان بالسلامة، بفضل من الله ثم بحسن تعاون الدول الصديقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية».
وتابع السفير الياباني قائلًا: «لذا أتقدم من المملكة بعميق الشكر والتقدير، وأقدّر الدور الإنساني الذي تلعبه في إجلاء رعايا كل الدول الشقيقة والصديقة من السودان».
40 مواطناً روسياً في جدة
أعلن القنصل العام الروسي في جدة، يوسوب أباكاروف، عن إجلاء قرابة 40 مواطناً روسياً من السودان إلى السعودية، من بينهم عائلات وموظفو إحدى الشركات الروسية وعاملون بالأمم المتحدة.
ولا زالت المملكة تواصل عملياتها الإنسانية لإجلاء مواطنينا ومواطني كثير من دول العالم من السودان، بعد اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع خلال الأيام الماضية، ومقتل وإصابة المئات حتى الآن.
فقد أعلنت وزارة الخارجية السعودية إجلاء 2796 شخصاً منهم 119 مواطناً سعودياً، و2677 شخصاً ينتمون لـ78 جنسية، منذ بدء عمليات الإجلاء.
يأتي الدور القيادي للمملكة على الصعيد الإقليمي والدولي انطلاقاً من تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية، وهو ما تجلّى بشكلٍ واضح في رؤيتها 2030، والذي تضمن تعزيز مكانتها، والتنمية الاقتصادية، وتحقيق مصالحها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتتسم سياستها بحكمتها واتزانها واتساقها مع التوجهات والقناعات لإحلال السلام والاستقرار والتنمية، وتهدئة الأجواء، ورسم خريطة التحالفات في المنطقة مرة أخرى وترتيب البيت العربي والإقليمي من أجل منطقة يعمّ بها السلام.
ختاماً تقود بلادي حراكاً دبلوماسياً فعالاً ومستمراً، وذلك في إطار تسوية نزاعات سياسية متعاظمة في الإقليم تتبلور باستخدام مسار «تصفير الأزمات» والذي يتمحور على طي صفحة النزاعات وإيجاد تقارب والوصول لتفاهمات سياسية واقتصادية بين جميع دول المنطقة لتعزيز نمو الاقتصاد والتعاون، وكذلك إيجاد علاقات لنسج علاقات تجارية واستثمارية واسعة ترفع مستوى المصالح والتنمية الاقتصادية وتعزيز الشراكات مع القوة الإقليمية والدولية.
ولا ننسى مواقفها الإنسانية التي لا تفرق بين لون أو دين أو جنس وجهودها الإنسانية مؤخراً لإجلاء المدنيين من السودان التي تمر بأزمة داخلية، قد حصدت إشادة من معظم الدول الإقليمية والدولية ومن منظمات دولية وإنسانية مما يؤكد ريادتها للأعمال الإنسانية على الصعيدين الإقليمي والدولي.