د. سفران بن سفر المقاطي
إيرلندا هي جزيرة تنقسم إلى شطرين: جمهورية إيرلندا وإيرلندا الشمالية. جمهورية إيرلندا مستقلة (عدد سكانها خمسة ملايين نسمة) هي دولة وعضو في الاتحاد الأوروبي، بينما إيرلندا الشمالية هي جزء من المملكة المتحدة. لذلك، فإن العلاقات بين إيرلندا والولايات المتحدة تتأثر بالوضع السياسي والاقتصادي لكلا الجانبين من الجزيرة. لأن أكثر من (50) مليون أمريكي لهم أصول إيرلندية. ومع وجود إرث وثيق من الهجرة بين البلدين، فإن إيرلندا تؤدي دوراً مهماً في السياسة الأمريكية عامة والانتخابات الرئاسية، انتخابات أعضاء الكونجرس وحكام الولايات بشكل خاص. فمثلاً سكن السفير الأمريكي مقابل سكن رئيس جمهورية إيرلندا في حي فينكس بارك (Phoenix park) بالعاصمة الإيرلندية دبلن يمثل رمزية عمق علاقة الدم والثقافة بين الشعبين الإيرلندي والأمريكي.
فدور إيرلندا في الانتخابات الأمريكية هو موضوع يثير اهتمام الكثيرين، خاصة في ظل العلاقات التاريخية والثقافية بين البلدين. فإيرلندا واحدة من أقرب الحلفاء للولايات المتحدة، وتتمتع بشعبية كبيرة بين الأمريكيين من أصول إيرلندية. كما أن إيرلندا لها أدوار اقتصادية وسياسية مهمة في أوروبا، وتشارك في العديد من الملفات الدولية مع الولايات المتحدة، مثل التجارة والأمن والتغير المناخي. بالإضافة إلى ذلك، تحتفظ إيرلندا بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة من خلال الاستثمارات المتبادلة والتجارة. حيث تستورد إيرلندا ما يقرب من 50 % من صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي من الولايات المتحدة، في حين يستثمر الأمريكيون المليارات في الاقتصاد الإيرلندي. وتأكيداً لذلك، فقد كان لإيرلندا دور مهم في الانتخابات الأمريكية 2020م الأخيرة، تمثل في:
أولاً: كان لإيرلندا تأثير ثقافي وشخصي على المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي ينحدر من أصول إيرلندية ويفتخر بها. وقد زار الرئيس الأمريكي بايدن إيرلندا عدة مرات، كان آخرها هذا الأسبوع، وأعرب عن تضامنه القوي مع قضية السلام والوحدة في الجزيرة. كما أن بايدن لديه علاقات جيدة مع قادة جمهورية إيرلندا وإيرلندا الشمالية، ووعد بأن يحافظ على اتفاقية الجمعة العظيمة أو اتفاق بلفاست (اتفاق تم التوقيع عليه سنة 1998م بين بريطانيا وجمهورية إيرلندا وأحزاب إيرلندا الشمالية) أنهى الصراع في إيرلندا الشمالية؛ لذلك حصل على دعم أكثرية الناخبين الأمريكيين من أصول إيرلندية أدت إلى فوزه على منافسه الرئيس السابق ترامب في انتخابات 2020م.
ثانياً: كان لإيرلندا دور اقتصادي وتجاري مهم، خاصة في ضوء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، لكون إيرلندا هي شريك تجاري بارز للولايات المتحدة، حيث تستثمر الشركات الأمريكية بشكل كبير في إيرلندا، وتستفيد من نظامها الضريبي المنخفض. كما أن إيرلندا تستورد سلعاً وخدمات من الولايات المتحدة بقيمة مليارات الدولارات سنوياً. لذلك فإن إيرلندا تهتم بالحفاظ على علاقات تجارية قوية ومستقرة مع الولايات المتحدة، سواء كان ذلك من خلال اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي أو من خلال اتفاقات ثنائية.
لهذا تؤدي إيرلندا والمؤسسات الإيرلندية الأمريكية دوراً بارزاً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، خاصة في الولايات التي يوجد بها عدد كبير للسكان ذوي الأصول الإيرلندية مثل ماساتشوستس ونيو هامبشير. فالمرشحون الرئاسيون يسعون للحصول على دعم المنظمات والاتحادات الأيرلندية الأمريكية لكسب أصوات الناخبين الأمريكيين الإيرلنديين.
أيضاً، لإيرلندا دور مؤثر في السياسة الدولية، حيث تعتبر إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو الاتحاد الذي يرتبط بدوره بالولايات المتحدة بعلاقات دبلوماسية واقتصادية وأمنية. وفي النهاية، يمكن القول إن دور إيرلندا في الانتخابات الأمريكية يتمثل في تقديم الدعم للمرشحين الذين يدعمون القضايا التي تهم المهاجرين الأيرلنديين والأمور الدولية التي تخص إيرلندا، وفي العمل على تحسين العلاقات بين إيرلندا والولايات المتحدة الأمريكية.