العقيد م. محمد بن فراج الشهري
منذ سنوات طويلة، والسودان على كف عفريت لم تستقر به الأحوال إطلاقاً، عانى شعبه من تقلبات كثيرة، وتعاقب حكومات مختلفة لم تنجح في إقامة دولة قوية تحافظ على ثروات هذا البلد وتكبح مطامع الطامعين في ثرواته كما فشلت الأحزاب السودانية بعد الاستقلال في الاتفاق على أي صيغة توفيقية بينها حول نظام الحكم والدستور واستمرار الخلاف سنوات عديدة بعد الاستقلال، كما اخفقت تلك الحكومات في تقديم حل لمشكلة جنوب السودان حتى انفصل، إضافة إلى تردي الأحوال الاقتصادية رغم الثروات الهائلة التي يمتلكها السودان، ولم تجد في حكم العسكر سوى التخلف، والاختلاف حيث تعاقب على حكم السودان منذ استقلاله في عام 1956م عدد من العسكريين، أولهم الفريق ابراهيم عبود، الذي قاد في 17 نوفمبر عام 1958م أول انقلاب ضد أول حكم مدني ديمقراطي وقد كان ذلك في أول تدخل مباشر للجيش في السياسة والحكم، ثم أتى بعد ذلك العقيد جعفر النميري بانقلاب عسكري انقض على الحكومة الديمقراطية الثانية التي انهكتها الصراعات الحزبية، واستمر حكمه 16 عاما، ثم بعد سقوط النميري تسلم السلطة خلال الفترة الانتقالية بعد ذلك المشير عبدالرحمن سوار الذهب لمدة عام أجريت بعده انتخابات وفي 30 يونيو 1989م نجح تنظيم (ما يسمى الإسلاميين) في تدبير انقلاب عسكري وتسلم الحكم العميد/ عمر حسن أحمد البشير الذي شهد عهده محطات فارقة؟ أبرزها انفصال الجنوب، والحرب في دارفور، وانهيار كامل للاقتصاد في آخر أيامه، واستمر في الحكم نحو 30 عاماً حتى سقوطه في أبريل 2019م إضافة إلى التحركات العسكرية التي سيطرت على الحكم في السودان شهد أيضاً منذ الاستقلال عشرات المحاولات الانقلابية الفاشلة على الحكومات العسكرية، أبرزها انقلاب المقدم/ حسن حسين في عام 1975م وحركة محمد نور سعد «الجبهة الوطنية» في عام 1976م إضافة إلى المحاولة الانقلابية في رمضان عام 1990م، واليوم يعيش السودان أسوأ فتراته أيضاً مع العسكريين البرهان وحميدتي، وعاد السودان إلى المربع الأول بحرب طاحنة بين الجيش، والدعم السريع لن تنتهي على خير، والسودان اليوم يعيش أزمة هوية وطنية كبيرة، تمثلت في انفصال الجنوب، والحرب في دارفور، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان، وغيرها من الصراعات التي تأخذ الطابع العنصري، والجهوي، والقبلي الذي بدوره أدى إلى الأزمات المعقدة التي تمر بها الدولة السودانية والتي فشلت في بناء تنظيمات حزبية قوية قادرةعلى قيادة المجتمع، وتحقيق مصلحة الوطن والمواطن، وبالإضافة إلى ضعف الأحزاب، والتنظيمات السياسية فإن ارتفاع مستوى الفساد، والمحسوبية، والعنصرية، والطائفية، والجهوية من الأسباب الرئيسية في وصول البلد إلى هذا النفق المظلم، والمحك التاريخي للوطن وهذا التحدي الصعب لكل السودانيين في أن تكون أولا تكون في ظل تدخلات وأطماع الدول الكبرى في ثروات هذا البلد، والتي تسعى بكل السبل والوسائل لدس أصابعها القذرة في شؤون السودان، وزعزعة استقراره، وأطماع الغزاة في هذا العصر واضحة، وهي منذ زمن بعيد وعينها على ثروات السودان التي لو لقيت حكومة تلم أشلاء هذا الشعب لكان السودان في قمة الدول الغنية خاصة إذا ما عرفنا أنه يمتلك 200 مليون فدان من المساحة الصالحة للزراعة، المزروعة منها حالياً 64 مليون فدان فقط، و115 مليار فدان من المراعي الطبيعية، ويهطل على السودان 400 مليار متر مكعب من الأمطار سنوياً، ويمتلك السودان سادس أكبر ثروة حيوانية في العالم بحجم 110 ملايين رأس من المواشي، وكذلك 42 الف طن إجمالي انتاج السودان من الأسماك سنوياً .. كما يملك احتياطي ذهب يقدر بـ 1550 طنا، وهو ثالث أكبر منتج في إفريقيا للمعدن النفيس بإنتاج 93 طنا، واحتياطي من الفضة تقدر بـ 1500 طن، وكذلك 5 ملايين طن من النحاس، و1.4 مليون طن من اليورانيوم، ويستحوذ على 80 % من الانتاج العالمي للصمغ العربي الذي يدخل في 180 صناعة في القطاعات الغذائية، والدوائية، يتم تهريب واحتكار 70 % منه سنوياً من قبل شركات محلية وعالمية، كما ينتج 39 % من السمسم الأبيض في الإنتاج العالمي، و23 % من السمسم الأحمر، وغير ذلك من الثروات التي لا تعد ولا تحصى، ورغم ذلك يعيش البلد في أسوأ فتراته نتيجة لما قدمنا وأشرنا من حروب، وتفككات، وتدخلات دول ذات مطامع في ثروات هذا البلد، وعدم وجود حكومات، وحكام يجعلون رفعة البلد، واستقراره اكبر همهم حتى اليوم، لذلك لن يستقر الحال في السودان ما لم تكف الدول الكبرى عن تدخلاتها في شؤونه الداخلية ووجود حكومة تراعي استقرار البلد وازدهاره، وإطفاء نار الفتنة المشتعلة حالياً، وتكاتف الدول العربية مع الشعب السوداني حتى إيجاد حل يوقف ضياع البلد، وانحداره إلى مستقبل مظلم لا يعرف منتهاه في بلد عربي مسلم شقيق يعز علينا جميعاً، ويجب مساندة شعبه حتى زوال هذه الظروف النكرة التي لن ينتج عنها خير لا للسودانيين، ولا لكل العرب.. نأمزوالها وعودة السودان إلى وضعه الطبيعي اللائق به وبشعبه، وما يملكه من ثروات هائلة لاتعد ولا تحصى..