كتب - رجا العتيبي:
تتميز الهيئة العامة للترفيه بتوليد الأفكار الإبداعية، وصناعتها، وتنفيذها باحترافية، فمنذ أن تولى رئاستها معالي المستشار تركي آل الشيخ، وهي معين لا ينضب من الأفكار المدهشة، والفعاليات التي تمثل قيمة منتظرة للجماهير، ولا يكاد يمضي موسم من مواسم الترفيه إلا وتجد الجماهير ضالتها في الفعاليات والبرامج والأحداث الترفيهية التي جعلت الحياة أكثر جمالاً، وأكثر متعة، وأكثر حيوية.
المجتمع السعودي بطبعه حالة فرح دائمة، مع ذاته، ومع أقرانه، ومع محيطه، حالة من التفاعل مع المجتمعات الأخرى، وعندما استجابت الهيئة العامة للترفيه لذلك، كانت تعرف مقدار الجمال الذي يحمله الإنسان السعودي بداخله من حب وسلام وسعادة، تعرف مقدار ما يحمله الإنسان السعودي من تصالح مع نفسه، ومع الآخرين، ومع الشعوب الأخرى.
ما فات ليس كلاماً إنشائياً، إنما لحظة تجسدت بكل تفاصيلها، في الأمسية التي عشناها «الخميس والجمعة» مع فعالية (ليلة من الماضي الجميل) عندما شدا مطربو ومطربات اليوم، بأغاني الرعيل الأول: سلامة العبد الله، فهد بن سعيد، حمد الطيار، بشير حمد شنان، عيسى الأحسائي، وعتاب، وعوض دوخي، ورباب.
وليس أمر الفرح مقتصراً على تلك الليليتين، بل انسحب على كل فعاليات الترفيه التي أشرف عليها أبو ناصر، وباشرها بنفسه، وتابعها أثناء تقديمها للجماهير، بمؤازرة أطقم عمل احترافية، منذ بدءْ المواسم الترفيهية وحتى اليوم، أما تلك الليلتان - محور حديثنا - فكانتا شيئاً آخر، أعادتانا إلى الماضي الجميل، مع أعذب الأغاني التي سكنت وجدان الأجيال على مر عقود طويلة، وما زالت حية يطرب لها الجميع، ويتذكرون بها ومعها أياماً مضت، بين الأماني والجروح، لم تعد عودة السنين الماضية أمنية حينما يهب الهواء، كما قال خلف الحربي في مقدمة مسلسل «العاصوف»، إنما باتت يقيناً شهد به مسرح محمد عبده في البوليفارد سيتي الرياض، وشهد به حضور اكتظ بهم المكان، وعاد بهم إلى زمن الطيبين، وأيامه الحلوة سوا، أما الذين أعادوا الأيام العذبة فهم النجوم: (خالد عبد الرحمن، فهد الكبيسي، عايض، راشد الفارس، وعد، داليا مبارك، مطرف المطرف، فهد الطلاسي، عبدالعزيز الطيار).
عندما انطلقت حنجرة راشد الفارس في الليلة الأولى، تنادي «يا علي صحت بالصوت الرفيع، يا مرة لا تذبين القناع»، تردد صوت النداء في أرجاء المسرح، وتراءى للحضور جبال أجا وسلمى وفي قمته سلامة العبد الله - رحمه الله - يغني بصوته الشجي الحزين، اختلط في خيالهم النابض - لحظتها - صوت راشد الفارس، وصوت سلامة العبد الله، بين الأماني والجروح، وآخرون يرددون «الله يا وقتٍ مضى».. لم يتمالك البعض دمعته، وهي تسبقه إلى خده قبل أن يلتقطها منديله من عينه.. ذكريات انهمرت، وزمن مثير شع مع كل نغمة عزفتها الفرقة.
وكذلك فعلت وعد وداليا مبارك ومطرف المطرف، عندما أعادوا عبر حناجرهم الذهبية، ملامح لا تنسى من: رباب، وعتاب، وعوض دوخي، وهنا يمكن أن نختلف قليلاً مع خلف الحربي في رائعته أغنية مقدمة «العاصوف»، فكل شيء مع نجوم «ليلة من الماضي الجميل» في البوليفارد، لم يتغير ولم ينقلب، وبتنا فيها «نشبه بعضنا»، ولم تضِع «ملامح أمسنا»، في تلك الليلة «نركض ويسبقنا» الفرح، لم يكن للتعب مجالاً، وكانت المتعة في فضاء مسرح محمد عبده أرينا، وعلى خشبته في أوجها، وكانت الفكرة الإبداعية حاضرة بكل تفاصيلها.
أما في اليوم التالي، في «ليلة من الماضي الجميل»، التي جمعت، خمسة نجوم: خالد عبدالرحمن، فهد الكبيسي، عايض، دحوم الطلاسي، عبد العزيز الطيار، فما أن بدأ الكبيسي بأغنية «خلاص من حبكم يا زين عزلنا» لفهد بن سعيد «رحمه الله» وإلا ويتفاجأ بالجمهور يغنيها كاملة، مع اتقان لحنها، وفواصلها الموسيقية، غناها الجمهور بشغف، وحب، وشوق، دلالة على امتداد الأجيال، وأن الفن لا يموت، يبقى حاضراً في ذاكرة جمعية، غير قابلة للنسيان، حالة تتكرر حينما يعيد نجوم اليوم، أغاني نجوم الأمس، وكان الكبيسي فريداً في تفاعله حينما غنت معه الجماهير بصوت فخم يهز الوجدان، لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد أعاد لنا خالد عبدالرحمن في تلك الليلة الماتعة بعضاً من روائع بشير حمد شنان، استعدنا فيها معه ملامح حي الشميسي، والباب الحديد، والبيت الطين، وكثيراً من الأمكنة التي خلدتها أغاني بشير حمد شنان، غناها خالد عبدالرحمن بحضوره البهي، وهتاف الجماهير، وصوته الشجي.
كذلك فعل عايض، ودحوم الطلاسي، وعبدالعزيز الطيار، قدموا وصلات غنائية أعادوا لنا سيرة حمد الطيار، وعيسى الأحسائي، تنقلنا معها من الخرج، إلى الأحساء، وسط أجواء من الصور الشعرية المرهفة، والألحان الخالدة، والزمن الجميل. ولو كانت المساحة تتسع هنا، لروينا تفاصيل أكثر، وأدق، وأشمل، ولكن ربما تكفي هذه العُجالة، لإعطاء صورة بانورامية، بينما الباقي ترويه الأجيال.
هاتان الليلتان لا تنسيان أبداً، من حضرهما سيحكيهما لأبنائه وأحفاده، ليلتان ابتكرهما معالي المستشار تركي آل الشيخ بعقليته الفذة، وأفكاره المؤثرة، وجعلتهما واقعاً، شركة روتانا، الجهة التنفيذية، بخبرتها الموسيقية الطويلة، ونظمتهما شركة بنش مارك، بينما أدار الموقع شركة صلة.
وهذه النقلات النوعية في قطاع الترفيه، تنطلق من رؤية 2030، مثلما تنطلق في كافة القطاعات لدعم فكرة جودة الحياة على نحو شامل؛ لا تتوقف عند كل حالة ذهول «فوق الخيال»، بل اخضرت وأزهرت فيها حياتنا.