د.الجوهرة بنت بخيت آل جهجاه
تُعنَى هذه القراءة بفلسفة الجودة ومعاييرها وتطبيقاتها الخاصة في وثيقة رؤية المملكة العربية السعودية 2030؛ لأن الجودة صُمِّمت فيها بمستويات متعددة؛ فهي هدف، وهي مصدر للميزات التنافسية، وهي مجموعة من القِيَم والالتزامات، وهي أسلوب تخطيط وتنفيذ وإدارة ورقابة ومراجعة وتقويم، وهي معيار لقياس الأداء، وهي فلسفة مُبتَكَرة أصيلة... إلخ، وهي عالمية، متجدّدة؛ مما يجعل سمة الثبات وسمة التغيّر مُلازِمَتين لها، وضبطهما تحدٍّ كبير واستثنائي، لا سيما في ضوء الحفاظ على الاعتزاز بالهوية الإسلامية العربية السعودية. وهدفي الأول هو تقريب هذا الإنجاز التخطيطي الاستراتيجي المميّز من ذهن القارئ الصغير قبل الكبير، والعام قبل المثقف أو المتخصص.
انبثاق المشروع
صرّح وليّ العهد، صاحب السموّ الملكي/ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- بأنّ مشروع الرؤية الوطنية قد انبثق من توجيهاتِ خادم الحرمين الشريفين/ الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله وأيّده- وأمرِهِ بالتخطيط «لعملٍ يُلبّي كُلَّ الطّموحات، ويُحقّق جميعَ الأمنيات» (رؤية المملكة 2030، 7).
قرار الموافقة
صدر قرار مجلس الوزراء الموقّر بالرقم (308) وتاريخ يوم الاثنين 18 رجب 1437هـ الموافِق لِـ25 أبريل 2016م، بالموافقة على وثيقة الرؤية الوطنية؛ بناءً على خطاب ولي ولي العهد -آنذاك- النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، رئيس الدفاع، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، صاحب السموّ الملكي/ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- بالرقم (2719) وتاريخ 18 رجب 1437هـ، وقرار مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بالرقم (3- 31/ 37/ ق) وتاريخ 12 رجب 1437هـ الموافق لـ 19 أبريل 2016م.
طبيعة الرؤية
هي خطّةٌ استراتيجيّةٌ مُبتَكرةٌ، ببرامج تنفيذيّةٍ، وخطواتِ عملٍ وآليّاتٍ رئيسةٍ مُعلَنَة، وقِيَمٍ أصيلةٍ، تُحَقِّق على أرضِ الواقعِ -بإذن الله- حُلْمَ خادم الحرمين الشريفين/ الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله وسلّمه- الذي صرّح به في قوله: «هَدفي الأوّل: أَنْ تَكونَ بِلادُنا نموذجًا ناجِحًا ورائِدًا في العالم على كافّةِ الأصعِدة، وسَأعملُ معكُم على تَحقِيقِ ذلك» (رؤية المملكة 2030، 4).
جَوهر الرؤية
الدّينُ الإسلاميُّ هو جوهرُ رؤية المملكة العربية السعودية 2030، ومَرجِعُ مبادئها، ومنهجُ تخطيطها وآلياتها الرئيس في صناعة: الأنظمة، والأعمال، والقرارات، والتوجّهات؛ حيث الالتزام بالقِيَم الرئيسة: الوسَطيّة، والعَدالة، والانضباط، والإتقان، والكفاءة، والشفافية، والتسامح (رؤية المملكة 2030، 16، 67)، وهي القِيَم الضابطة في الخطة الاستراتيجية لتحقيق محاور الرؤية الوطنية الثلاثة الشاملة: 1/ مجتمع حيوي. 2/ اقتصاد مزدهر. 3/ وطن طموح (رؤية المملكة 2030، ص11 وما بعدها) التي بُنيت خططها الاستراتيجية التفصيلية في ضوء متغيّرات محددة في سياقاتها الدقيقة (السابقة المُراجَعة، والمستقبلية الاستشرافية)، يُعززها المرتكزات الثلاثة للرؤية: «1/ العُمق العربي والإسلامي. 2/ القوة الاستثمارية. 3/ أهمية الموقع الجغرافي» (رؤية المملكة 2030، 7).
الرؤية ومعايير الجودة
بُنِيت رؤية المملكة العربية السعودية 2030 على أحدث النظريات والاتجاهات العالمية الفعّالة في الجَودة، وسياسات التقويم، والتخطيط، والتطوير، والتحسين. وصِيغت بلُغةٍ قانونيّةٍ علميّةٍ شفّافةٍ دقيقةٍ؛ من خلال الاستثمار البارز لثَبات صِيَغ المصطلحات ومفاهيمها، وتوحيد صيغة الخطاب الجَمعيّ، وثراء توظيف الأفعال القابلة للقياس، والمُوحِية باتجاهات التخطيط والتطوير، وتعزيز الأداء الوظيفي لمُحَدِّدات المقاصد والمعاني (كالصِّفات مثلاً: «الحَوكَمة الرّشِيدة»(رؤية المملكة 2030، 54، 60، 73)؛ والصِّفات مع الإضافات: «إعادة هيكلَةٍ مستمرّةٍ ومرنةٍ» (رؤية المملكة 2030، 79).
ومن نماذج الأفعال القابلة للقياس بصِيغها المَصْدَرِيَّة، وهي تكشف عددًا من العمليات المتصلة بالإجراءات التنفيذية والتشغيلية، وتحديد المُخرجات وقياسها: (تخطيط، توطين، تأهيل، سَنّ، مُحاسَبة، استِماع، تنويع، قِياس، تأسيس، رَفع، توفير، نَقل، سَدّ، إعادة، تنسيق، مُواءمة، ضَمان، تكثيف، تخصيص، حَدّ، مُراقبة، استقطاب، دَمج، مُراجعة، تعليم، تخفيض، تحويل، تقليص، بناء، تدريب، إصلاح، تدرُّج، تعزيز، تهيِئة، تنمية، التِزام، تمكين، تسرِيع، تسهيل، تقويم، توجيه، جَذب، توليد، تطبيق).
من المتّفق عليه أنّ عملية التخطيط الاستراتيجي من أكثر عمليات التخطيط تعقيدًا، لا سيما إذا كانت بهذا الحجم الضخم كما في رؤية المملكة العربية السعودية 2030؛ إذ لا بدّ من الانطلاق من عملية (المراجعة والتقويم)، وقبل هذه العملية لا بد من عملية تحضيرٍ مهمّةٍ ودقيقةٍ، تتعيّن في تحديد الأولويات، والأهداف بمستوياتها، ومعايير التقويم بمستوياتها، ومؤشرات قياس الأداء بمستوياتها مع الوعي بسياقاتها الخاصة، وممارسات التخطيط، وأساليبه، وآلياته. وهذه العملية تُعاد بمحتوياتٍ وأداء مختلف بعد عملية المراجعة؛ لأنها ستتجه إلى تعيين مُدخلاتٍ جديدةٍ أو مُحسَّنةٍ، وعملياتٍ مطوّرةٍ وأكثر تفريعًا وتدقيقًا، ومُخرجاتٍ مستقبليةٍ تنافسيةٍ شاملةٍ ودقيقة.
بما أنّ عملية المراجعة والتقويم تنتهي -فيما تنتهي إليه- إلى تحديد الفجوات، فمعالجتها تتمحور في:
1) الحاجة إلى إصلاح الخلل.
2) الحاجة إلى التحسين والتتميم.
3) الحاجة إلى الاستحداث.
تؤثر النتائج التي تُفرزها عملية المراجعة والتقويم في الوجدان الوطني -بمستوياته الشخصية والاعتبارية-؛ لذا تبنّت رؤية المملكة العربية السعودية 2030 مُمثَّلَةً في خطاب وليّ العهد، صاحب السموّ الملكي/ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- الافتتاحيّ مبدأَ التسامح مع الماضي ومع الذات -بمفهومها الوطني الشامل-، وقوّة الفأل الحسَن؛ وذلك في قوله -حفظه الله وسدّده-: «لَنْ نَنظر إلى ما قد فقدناه أو نفقده بالأمس أو اليوم، بل علينا أن نتوجَّه دومًا إلى الأمام» (رؤية المملكة 2030، 7). والنظر -هنا- بمعنى التحسّر أو التأسُّف، وقرينة ذلك استعمال أسلوب الإضراب (بل)، وكذلك قوله -حفظه الله- قبلها: «لَسنا قَلِقِين على مُستقبل المملكة، بل نتطلّع إلى مستقبلٍ أكثر إشراقًا، قادرون على أنْ نصنعه -بعون الله- بثرواتها البَشرية، والطبيعية، والمُكتَسبة؛ التي أنعم الله بها عليها» (رؤية المملكة 2030، 7).
تنتشر المصطلحات التي تكشف ممارسات الجودة الفعّالة والنوعيّة في صياغة وثيقة رؤية المملكة العربية السعودية 2030 بشكلٍ لافتٍ، ومُؤثِّرٍ في الاستيعاب الجيّد والعميق -بتكرار القراءة الفاحصة- لأُسس فلسفة الرؤية، واتجاهاتها؛ بما يُمكّن الفرد من النجاح في إنجاز الوظيفة المنوطة به؛ وهي:
1) الالتزام بتحقيق البرامج المحورية في وثيقة الرؤية الوطنية أهدافَها الرئيسة والتفصيلية.
2) الإسهام في تنمية هذه الجهود الوطنية؛ لا سيما أنّ القيادة الرشيدة تدعم وصول صوت المواطن عبر قنواتٍ مُتعدّدةٍ ومُيسَّرةٍ ومباشرةٍ؛ دعوةً مُؤكَّدَةً للمواطن -وكذلك المقيم- للمشاركة بآرائه ومقترحاته التطويرية، مع الوعد بعمل أجهزة الدولة الرشيدة على تحقيق التطلعات والآمال المختلفة (رؤية المملكة 2030، 61، 80).
ومن نماذج المصطلحات التي تكشف ممارسات الجودة الفعّالة والنوعيّة في صياغة وثيقة رؤية المملكة العربية السعودية 2030: (إعلان مؤشرات الأداء ونتائج قياسها، تطوير التعليم، جودة الحياة، ريادة الأعمال، إعلان الأهداف والخطط، الخَصخصة، دعم الابتكار، تسريع اتخاذ القرار، الإدارة المرِنة، توطين الخبرات، ثقافة التخطيط، المقارنات المرجعية، توفير أدوات التخطيط، مراعاة الجدوى ومراجعتها، إعادة التوجيه، مراجعة المواءمة وتحقيقها، جدوى التأسيس، وضع المعايير وتطبيقها، تحديد الأولويات، ثقافة الأداء، النظام الفعّال، توحيد السياسات، رفع الكفاءة وتعزيزها، تطبيق المعايير العالمية، الحَدّ من الهَدر، تحسين التنافسية، إزالة العوائق، سَدّ الفجوات، دعم التحوّل، برامج تنفيذية، تحليل البرامج والخطط، تنسيق الجُهود والخدمات).
ضبط الجودة في الأنظمة والقوانين
تُعَدّ الأنظمة والقوانين من أبرز المُعِينات في عملية ضبط الجودة وإدارتها، وهي من المُدخلات الرئيسة لأيّ عملية تطوير، غير أنّها تحمل سمةَ الثبات التي تُقاوِم -أحيانًا- الحاجةَ الملحّة للتغيير وتفعيل المرونة؛ لذلك سأُعنى بعرض هذا الاتجاه في ضبط الممارسات الخاصة بالأنظمة والقوانين والسياسات، وضمان جودتها، وفاعلية أدائها. ومن خلال قراءاتي المتكررة لوثيقة الرؤية الوطنية، يمكن أنْ أُصنّف عملية ضبط الجودة في الأنظمة والقوانين في الآتي:
1) التهيئة وضبط المرجعيّة: ومن نماذجها المحدَّدة في الوثيقة:
1/ 1: «تهيئة الآلية التنظيمية والدعم المناسب» (رؤية المملكة 2030، 53).
2/ 1: التنسيق «مع السلطات التشريعية؛ لتعديل الأنظمة ذات العلاقة بتسهيل بيئة العمل، ورفع كفاءة إنفاذ العقود» (رؤية المملكة 2030، 48).
3/ 1: «تهيئة الإطار التشريعي؛ لتمكين القطاع غير الربحي، والخيري» (رؤية المملكة 2030، 68).
4/ 1: الاستفادة «من أفضل الممارسات العالمية؛ لتحقيق أعلى مستويات الشفافية والحَوكَمة الرشيدة في جميع القطاعات» (رؤية المملكة 2030، 60).
5/ 1: «التشديد على تطبيق المعايير العالمية المتبعة قانونيًّا وتجاريًّا» (رؤية المملكة 2030، 48).
2) ضبط هوية المشروع عبر ضبط المصطلحات والمفاهيم:
تتميّز صياغة وثيقة الرؤية الوطنية بلُغة شفافة حيوية، تُحفّز العمليات الفكرية على إدارة قراءة النص، ومن هذا المنطلق فإنّ التسمية تُحدّد ماهية مشروع الرؤية الوطنية: «تمرّ بلادنا اليوم بموجة من المشروعات الإصلاحية والتطويرية في جميع الأجهزة»؛ أي: مشروعات تطويرية شاملة. وحين نتساءل: ما أوّل إجراء للحفاظ على طبيعة المشروعات الإصلاحية التطويرية الكثيرة الشاملة؟ فالجواب في الجملة التالية: «إدارة ذلك الزخم بطريقة ملائمة، والتأكّد من مواءمة الجهود». وإذا سألنا: ما آلية إدارة تلك المشروعات الإصلاحية التطويرية الكثيرة الشاملة، والتأكّد من مواءمة الجهود المبذولة فيها لنجاحها في إطارها الخاص، ولتحقيقها أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030 فالجواب تالٍ بوضوحٍ أيضًا: «اعتمدنا المفهوم العلمي لإدارة المشروعات، وأسسنا مكتبًا لإدارة المشروعات في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية والكثير من الجهات الحكومية الأخرى، كما أسّسنا مركزًا للإنجاز والتدخل السريع» (رؤية المملكة 2030، 77).
3) تحديد الهدف المركزي للمشروع:
هناك هدفٌ داخليٌّ تنظيميّ، يُعَدّ -من وجهة نظري- نواة الأهداف الكبرى، وهو: «تحويل دور الحكومة من (مُقَدِّم للخدمة أو مُزوِّد بها) إلى (مُنظِّم للقطاعات ومُراقِب عليها)» (رؤية المملكة 2030، 43).
4) التخطيط لعملية المراجعة، وممارستها، وضبطها:
بدا لي أنّ التخطيط -هنا- يتفرّع إلى مستويين:
أ /4: مستوى عام/بسيط: يتمثّل في مراجعة الأنظمة واللوائح وإزالة العوائق (رؤية المملكة 2030، 41، 69).
ب /4: مستوى خاص/ معقَّد (تفصيلي):
نُفِّذَتْ عمليةُ مراجعة الأنظمة القائمة في السنة السابقة لصياغة وثيقة الرؤية الوطنية؛ أي: عام 2015م؛ فما نتيجة هذه المراجعة؟ كانت النتيجة تحديد الفجوات المؤثّرة في منظومة الأنظمة. وسنتساءل أيضًا: ما الحل الإجرائي تجاهها؟ ستُجيبنا الوثيقة: المبادرة بـ»سَنّ أنظمة جديدة طال انتظارها منذ سنوات؛ ومنها: نظام الشركات، ونظام المؤسسات والجمعيات الأهلية، ونظام رُسوم الأراضي البيضاء، ونظام الهيئة العامة للأوقاف، وغيرها». تقودنا تلك الإجابة إلى سؤالٍ آخر: هل اكتملت عملية مراجعة الأنظمة عند هذا الحدّ؟ وتوافينا الوثيقة بالجواب مباشرة: «سنستمر في مراجعة الأنظمة؛ للتأكّد من ملاءمتها للمستقبل» (رؤية المملكة 2030، 77).
وحين نرجع للتساؤل عن طبيعة المراجعة، فإن الوثيقة تقدّم الإجابة: «مراجعة شاملة ودقيقة للأنظمة واللوائح المالية في جميع الأجهزة الحكومية». وسنفكّر: ما الهدف منها؟ يأتي الجواب: «التحوّل من (التركيز على سلامة الإجراءات فحسب) إلى (مفهوم فاعليّة الصرف وارتباطه بتحقيق أهداف محددة)». ونتساءل أيضًا: لماذا العناية بارتباط مفهوم فاعلية الصرف بتحقيق أهداف محددة؟ ونجد الإجابة تسبق هذا التساؤل: «ليُمكن قياس فاعليتها؛ بما يحفظ استدامة الموارد والأصول والموجودات» (رؤية المملكة 2030، 67).
يمكن أن نستعرض نموذجين محدَّدين للمستوى الخاصّ من التخطيط للمراجعة وضبطها وممارستها؛ الأول: نموذج: استقبال نتائج التقويم والتوصيات: أوّل سؤال كان في ذهني: كيف تجري عملية المراجعة؟ ووجدتُ الجواب أمامي: «لقد اعتمدنا ما رفعتْه أجهزتنا الحكومية من توجّهاتٍ ورُؤًى». وتساءلتُ بعدها: هل الاعتماد شامل لكلّ ما رُفِع من قِبلها؟ وجاء الجواب: فقط «التوجهات والرؤى الملائِمة». قادني هذا إلى سؤال آخر: كيف قُيِّمتْ بأنها ملائِمة؟ وجوابه: «تمّت مراجعة مهامّها الحالية ومُواءمتها مع احتياجاتنا المستقبلية». وتساءلتُ: ما معايير مواءمتها مع احتياجات المملكة العربية السعودية المستقبلية؟ وكان الجواب من خلال محورين: معايير المواءمة: 1/ المصدر: «اعتمادًا على الدراسات اللازمة، والمقارنات المعيارية». 2/ الآليّة: «تحليل البرامج، والخطط، ومؤشرات قياس الأداء المُحقِّقة لها» (رؤية المملكة 2030، 75).
أمّا النموذج الثاني، فهو نموذج مراجعة اللوائح الخاصة بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية فيما يتعلق بإنجاز برنامج تحقيق التوازن المالي: كان سؤالي الأول: ما موضوع المراجعة؟ وكان الجواب: «مراجعة المشروعات القائمة، وآلية اعتمادها، وأثرها الاقتصادي». وأردفتُ بالتساؤل: ما مخرجات هذه المراجعة؟ ووجدتُ الإجابة التفصيلية: «أسسنا لجانًا، واستحدثنا إدارات جديدة؛ لاتخاذ الإجراءات اللازمة تجاهها، مع مراجعة اللوائح المتعلقة بذلك». وخطر في ذهني التساؤل حول: هل اكتملت دائرة الإنجاز والتطوير هنا؟ فبادرني هذا التصريح: «نسعى -خلال الأعوام القادمة- إلى الاستمرار بهذه الوتيرة وتسريعها». وأخذتُ أُفكّر: ما آلية التسريع؟ وكان الجواب سبّاقًا: «عبر إجراءات جديدة في قطاعات متعددة» (رؤية المملكة 2030، 77).
5) عمليّات المعالجة والتحسين:
صنّفتُ -من وجهة نظري- عمليات المعالجة والتحسين للأنظمة والقوانين في ثلاثة مستويات تصاعدية؛ هي:
أ/ 5: مستوى بسيط يُعنَى بتقويم نقاط الضعف في الأنظمة والقوانين القائمة، ومن التصريحات به:
1/ «توحيد السياسات الجمركية، والاقتصادية، والقانونية» (رؤية المملكة 2030، 54).
2/ «تسريع عملية اتخاذ القرار» (رؤية المملكة 2030، 61)، و»(تسهيل) تأسيس منظمات غير ربحية للأُسَر وأصحاب الثروة... وتسهيل عملية استقطاب الكَفاءات وتدريبها» (رؤية المملكة 2030، 73).
3/ تفعيل الأنظمة واللوائح القائمة (رؤية المملكة 2030، 54)، و»تفعيل معايير عالية من المحاسبة والمساءلة» (رؤية المملكة 2030، 60).
4/ إعادة صياغة استراتيجية بعض المراكز (رؤية المملكة 2030، 52)، ودعم الأنظمة المحتاجة لذلك (رؤية المملكة 2030، 67).
5/ «تحفيز القطاع غير الربحي على تطبيق معايير الحَوكَمة الرشيدة» (رؤية المملكة 2030، 73).
6/ تطوير الأنظمة واللوائح القائمة المنظِّمة للقطاعات، واللازمة لتمكين المؤسسات والجمعيات غير الربحية، ومواصلة تطويرها (رؤية المملكة 2030، 53-54، 69).
ب/ 5: مستوى متوسط يُعنَى بسَنّ الأنظمة والقوانين، ووضع الأُطر النظامية، ومن التصريحات به:
1/ سَنّ الأنظمة واللوائح: الجديدة التي طال انتظارها، والأفضل من الموجودة حاليًّا (رؤية المملكة 2030، 28، 36، 77).
2/ وضع إطار قانوني وتنظيمي (رؤية المملكة 2030، 47)، «وضع إطار شراكات جديدة»، و»وضع معايير للبناء» (رؤية المملكة 2030، 53)، «وضع ضوابط صارمة على آليات الاعتماد» (رؤية المملكة 2030، 61)، وضع «سياسات لتحديد قادة المستقبل وتمكينهم» (رؤية المملكة 2030، 65)، «تسريع عملية وضع الاستراتيجيات» (رؤية المملكة 2030، 75).
3/ استشراف وظيفة بعض الأنظمة المُقَرَّة مؤخَّرًا (مثل: نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، ونظام الهيئة العامة للأوقاف) في الإسهام في تمكين القطاع غير الربحي من التحوّل نحو المؤسسية (رؤية المملكة 2030، 73).
ج/5 : مستوى معقّد يُعنَى بإعادة هيكلة الحُكومة؛ بوصفها التنظيم الرئيس، ومن التصريحات به:
1/ برنامج إعادة الهيكلة المستمرة للعمل الحُكومي (تأسيس الممارسة): وأوّل الأسئلة: لماذا صُمِّم البرنامج؟ وجوابها: لتحقيق الأولويات الوطنية وخدمتها، ولتحقيق المرونة. وتساءلتُ: متى سيُفَعَّل؟ ووجدتُ الجواب مُقبِلاً: «لقد تمّت الانطلاقة فعليًّا في هذا المَسار». فبادرتُ بالتساؤل: كيف فُعِّل؟ وأجابتني الوثيقة من فورها: «بإلغاء المجالس العُليا في الدولة، وإنشاء مجلسين؛ أحدهما للشؤون السياسية والأمنية، والآخر للشؤون الاقتصادية والتنمية». اتّجه اهتمامي للتساؤل عن أثر ذلك؟ فأجابتني: «لقد أسهم ذلك في تسريع عملية وَضع الاستراتيجيات، ورفع كفاءة الأداء، وتسريع الإجراءات وعملية اتخاذ القرار». وتساءلتُ: هل انتهى الأمر عند هذا الحدّ؟ وأجابتني: «سنواصل هذا التطوير الهيكلي بصورة شاملة، وعلى مراحل». وختمتُ بسؤالي هذا: ما ضابِط ذلك؟ فأجابتني: «بحسب الأولوية» (رؤية المملكة 2030، 75).
2/ برنامج تعزيز حَوكَمة العمل الحكومي (ضمان جودة الممارسة): للتفريق بينه والبرنامج السابق تساءلتُ: ما الذي يستهدفه هذا البرنامج؟ وكان الجواب أمامي: العمل «على إعادة هيكلة مستمرة ومرنة لأجهزتنا الحكومية». وأتبعتُ بالسؤال الثاني: ما أهدافه؟ «توحيد الجهود، وتسهيل الإجراءات، وتحديد التخصصات بشكلٍ واضحٍ، وتفعيل مسؤولية الجهات في تسلُّم مهمّاتها بشكلٍ يسمح لها بالتنفيذ، ويُمكِّن من المساءَلة، ويضمن استمرارية العمل والمرونة في مواجهة التحديات». انتقلتُ للتساؤل عما إذا كان هناك آليات معينة تحقق هذه الأهداف؟ وكان الجواب تفصيليًّا: 1/ «سنُنشئ مكتبًا للإدارة الاستراتيجية على مستوى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية». وتساءلتُ: ما وظيفته؟ وكان الجواب تاليًا مباشرة: «يعمل على مواءمة كافّة البرامج والخطط الحكومية، والتأكد من ملاءمتها مع الرؤية الوطنية، ومَنع الازدواجية أو التضارب بين السياسات وبرامج الأجهزة، والتأكّد من أنّ مكوّنات هذه الرؤية تُفصّل في استراتيجيات قطاعية ملائمة». وعدتُ للسؤال: هل هناك آلية أخرى لتحقيق تلك الأهداف؟ وباشرني الجواب: 2/ «سنؤسس مركز دعمِ اتّخاذ القرار في الديوان الملَكي؛ لتقديم المعلومات والبيانات اللازمة لعملية اتخاذ القرار». وختمتُ بسؤالي الأخير: ما وظيفته؟ وأجابتني الوثيقة: «يضمن تعزيز اعتماد عملية اتخاذ القرار على البراهين والأدلة (رؤية المملكة 2030، 79).
خاتمة
لقد حرصتُ على الإيجاز ما أمكن، والتبسيط، والربط، وكذلك إبراز الأسئلة بين مفاصل العبارة الواحدة في بعض البرامج الخاصة بكيفية التحقيق الفعلي للرؤية الوطنية؛ بهدف تعليم القارئ -بخاصة أنني أستهدف في مشاريعي القادمة الأطفال واليافعين- طريقة قراءة وثيقة رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وفهمها؛ وبعبارة أخرى: تقريب طريقة التفكير الفلسفي التطويري المُبتَكَر وفق أعلى معايير الجودة ونظرياتها، والتفاعل معه؛ لأنه الطريقة الأمثل للوعي بالرؤية الوطنية، والاندماج في تفاصيلها وغاياتها، والمبادرة بالإسهام في تحقيقها وتطويرها؛ ولاءً لهذا الوطن المجيد؛ أدام الله على بلادنا نعمة الأمن والأمان، والرخاء والرغد، والتنمية والتطور، وحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ووليّ عهده الأمين المَكِين، صاحب السموّ الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود؛ وجزاهما عنّا خيرًا وبركةً وتَأييدًا، ومَنّ علينا بتحقّق أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وتجاوزها إلى أبعد منها بما سيكون -حتمًا- تجربةً رائدةً وقائِدةً عالميًّا بعونه وتوفيقه.
** **
- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية