اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
تعتبر الروح المعنوية من أهم الدوافع التي تدفع الفرد إلى الإخلاص في العمل والإنتاج فيه، بحيث يؤدي واجبه على أكمل وجه وأفضل صورة مدفوعاً بالحماس وقوة الالتزام بفضل هذه الروح التي تمثل الحالة العقلية للفرد في وقت معين وتحت تأثير ظروف معينة.
وهذا يعني أن الروح المعنوية هي التي تبعث في الفرد القوة العاطفية والعقلية التي تساعده على تذليل الصعوبات والتغلب على العقبات، وتولد لديه العزيمة والتضحية في سبيل عقيدته ووطنه وقيادته وأمته والأهداف التي يعمل من أجل تحقيقها انطلاقاً من أن المعنويات تشكل مجموعة من القوى التي تؤثر في تفكير الإنسان، وتجعله يتصرف طبقاً لهذا التأثير صعوداً ونزولاً.
وترتيباً على ذلك فإن هذه الروح تخضع لثوابت ومتغيرات تتحكم في ارتفاعها وانخفاضها سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، الأمر الذي يتطلب من القائد إيجاد المناخ المناسب لعمل المقودين وتحسين الظروف المحيطة بهم من خلال ضبط العلاقات البينية وتهيئة البيئة الملائمة لزرع الثقة وتنمية الاحترام والتفاهم والتعاون بين المرؤوسين وخلق الدوافع الدافعة لهم نحو العمل.
وارتفاع المعنويات يبعث على الشجاعة وقوة العزيمة والقدرة على التحمل ومواجهة الشدائد بالشكل الذي يترتب عليه انصهار المجهود الفردي ضمن إطار المجهود الجماعي على نحو يخدم الأهداف المشتركة لأفراد الوحدة أو المؤسسة بما يكفل الانسجام الداخلي والتماسك الجماعي والخضوع للواجب والاقبال على تأديته مهما كانت الظروف المحيطة، وقد أدرك نابليون مزايا هذه الروح وسماتها حيث قال عنها: إن الرجل المسلح بهذه الروح يساوي ثلاثة رجال غير مسلحين بها، وقال عنها أيضا: ليست الطرق التكتيكية هي التي تقرر مصير الحرب وإنما الروح المعنوية.
وحالة المرء المعنوية منها ما يختص بصفاته وإشباع حاجاته، ومنها ما يتعلق بأمور ذاتية تحدث نتيجة لتفاعلات داخلية وعوامل خارجية تتمثل في القيادة والثقة في النفس وروح الفريق والانضباط والتدريب والانتماء والشعور بالمسؤولية والخضوع للواجب والولاء وشرف المهنة وما في حكم ذلك من القيم والمثل المطلوب مراعاتها والسير على هديها.
والروح المعنوية بقدر ما هي مطلب فردي فإنها مطلب جماعي، بوصفها تمثل مجموعة من النشاطات والعلاقات الأفقية والرأسية التي تشكل ميداناً لحفز الروح المعنوية على مختلف المستويات القيادية بما يخدم الانتماءات الجزئية والكلية داخل محيط المؤسسة، وبالتالي ينعكس ذلك بصورة إيجابية على الإنتاجية والمكانة المهنية بالنسبة للمؤسسة.
ومن المؤكد أن ارتفاع الروح المعنوية بالنسبة لأفراد الوحدة أو المؤسسة يتوقف على ما يربط بين هؤلاء الأفراد من روابط روح الفريق والانتماء ووحدة الهدف والمصير، وما يؤدي إليه ذلك من التكاتف والتعاون، كما أن تدني مستوى هذه الروح يقف حجر عثرة في الطريق إلى اكتساب هذه الفضائل، بالإضافة إلى أن زيادة الإنتاجية أو نقصها مرهون بحالة هذه الروح من حيث الارتفاع والانخفاض.
ومن هذا المنطلق فإن الروح المعنوية أثناء ممارسة المهنة تعد انعكاسا للرغبة الوجدانية الصادقة التي تجعل الفرد يُقبل على عمله بكل تفانٍ وإخلاص دون أن يعتريه الملل أو يؤثر فيه الاجهاد والتعب، متغلباً على المنغصات الداخلية والمؤثرات الخارجية بفضل التحلي بالحماس وعلو الهمة وإدراك أهمية التعاون مع الآخرين.
والإنسان عادة ما يستخدم نسبة متواضعة من قدراته عند تأدية عمله في الأحوال العادية إلى درجة أن هناك من علماء النفس من قرر أن الرجل في الوضع العادي لا يستخدم أكثر من 10 % من قواه البدنية والذهنية، والروح المعنوية العالية، والقيادة الواعية يعود إليهما الفضل في زيادة الترغيب والتحفيز ورفع درجة النسبة إلى الحد الذي يضمن تفوق العنصر المعنوي على العنصر المادي ويضاعف من مستوى الإنتاجية في العمل.
وإذا ما نظرنا إلى الروح المعنوية من منظور أن نسبة القوة المعنوية إلى القوة المادية تعادل ثلاثة إلى واحد تتضح لنا أهمية هذه الروح على نحو يتطلب ضرورة الاحتفاظ بها في المستوى الذي يكفل المحافظة على استمرار حماس وتعاون المرؤوسين لضمان استقرار وتطور وتيرة العمل في المؤسسة وزيادة إنتاجها.
وأبلغ مثال على ذلك هي المؤسسة العسكرية التي تعتمد مزاولة المهنة فيها على ما يتمتع به المرؤوسون من روح معنوية عالية، تمكنهم من إنجاز المهام الأمنية والعسكرية التي تفرض عليهم التضحية بالنفس والنفيس في سبيل الدفاع عن الدين والوطن والمواطن تمشياً مع أنه كل ما طالت مدة المواجهات وبذل التضحيات تكون الغلبة للقوة المعنوية وليس للقوة المادية.
والمهنة العسكرية تقتضي وجود مهارات وقدرات يتصف بها العسكري دون غيره لكي يخدم الوطن ويضحي من أجل مصالحه العليا، مدركاً قدسية الرسالة الوطنية التي فرضت عليه مبايعة النفس للمهنة في سبيل حماية الدين، والوطن، وولاة الأمر، والأمة.
ومن الواضح أن المهنة العسكرية التزام ومسؤولية والمعنويات العالية من ألزم لزومياتها وتحتل مكاناً مهمة فيها حيث يحرص المنتمون إليها على تعزيز الروح المعنوية وتعهدها من وقت إلى آخر لخدمة أهداف المؤسسة العسكرية وتأدية رسالتها الوطنية ومهمتها السامية وقيمها ومبادئها التي تنفرد بها دون غيرها من المؤسسات المدنية نظراً لأن المهام التي تؤديها سواء في السلم أو الحرب تحتاج إلى المطالب المعنوية بقدر حاجتها إلى المطالب المادية.