خالد بن حمد المالك
لم يجدوا -قبَّحهم الله- ما يهزّون به كيان هذه الدولة، والإساءة إلى مواطنيها، والاعتداء على أهم ما يميزها، وجرِّها إلى مستنقع لا تخرج منه، إلا بتهريب المخدرات إلى أراضيها، وإغراء المراهقين بتعاطيها، مقابل إغراءات مادية عالية لمن يتمكن من إدخالها إلى أراضي المملكة، وتسويقها بين المتعاطين لها.
* *
استهداف الشباب والشابات في عمل دنيء كهذا كان هدفاً له ما له من ممارسات عدائية ضد بلادنا، ومن نظرة حاقدة بعيدة المدى في جعل مواطني المملكة غارقين في وحل هذه المخدرات القاتلة، وبالتالي صرفهم عن بناء الدولة على النحو الذي نراه الآن بعد أن أزعجهم التطور وإسهام المواطنين والمواطنات في تحقيقه.
* *
لقد كانت ولا تزال هناك جهود ملموسة ومقدرة من الجهات المعنية في تطويق انتشار هذا الوباء، والحدِّ منه، وإيقاع العقوبات المغلظة لمن يقبض عليه متلبساً بهذه الجريمة، رغم حيلهم، وأساليب الخداع التي يمارسونها، والابتكارات في إخفائها بوسائل متنوعة، ومع أن من يتم القبض عليهم أعداد هائلة، فإن من ينجح في الإفلات من العيون الساهرة عددٌ لا يستهان به.
* *
وقد عجز أعداء الوطن في الحدِّ من قدرات المملكة في تقديم البلاد بمثل ما نراه الآن من تطور وتقدم، ولم يجد هؤلاء المجرمون الذين يمثلون مؤسسات وشركات ودولاً وأفراداً غير اللجوء إلى المخدرات بأنواعها، والتركيز عليها في استهداف المواطنين والمواطنات، وجرهم إلى أتون معركة قاضية على صحتهم وعقولهم، وامتداداً إلى عزلهم عن مجتمعهم، وعن أي دور لهم في الإسهام بالتطور الذي تشهده المملكة.
* *
وحُسَّادُنا كثيرون، وأعداؤنا لا يمكن تجاهلهم، ومشروعهم في الإساءة لنا لا يحتاج إلى تأكيد ما هو مؤكد، وبالتالي فإن مسؤولية المجتمع بكل فئاته وشرائحه أن يكونوا جميعاً جبهة واحدة، لصدِّ هذا العدوان، ومنع هذا الاستهداف الجائر، وهذا لا يتأتى إلا بأخذ التوجيه والنصيحة من جهات الاختصاص، ووضع الأيدي مع أيدي المسؤولين في هزيمة هؤلاء الخبثاء المجرمين.
* *
على أن الحرب على المخدرات ليست بالأمر الهيّن السهل، فالمملكة لها امتداد حدودي مع عدد من الدول، وهذا ما يسهل التهريب براً وبحراً وجواً، وهي تجارة خسيسة ومغرية لذوي النفوس المريضة، ولا يكفي الحد منها، ومحاصرتها في حدودها الدنيا، بل يجب منعها من الوصول إلى أراضينا تماماً، وهذا يتحقق حين يتعاون الجميع مع السلطات المختصة بالإبلاغ، عن أي مُهرِّبٍ أو مُتعاطٍ لها، مهما كانت صلة القرابة بمن وظّف نفسه لخدمة هذه المؤامرة، أو كان ضحية لها.
* *
والحملة غير المسبوقة التي تجري الآن وعلى أعلى المستويات بتوجيه من سمو ولي العهد يجب أن تستمر, وأن تتواصل على مدى العام، فهؤلاء المجرمون سوف يستغلون أي تهدئة، أو استرخاء، في ممارسة عدوانهم، وفي مواصلة جرائمهم، ولن يستسلموا إلا إذا استمر الإصرار على بلوغ الهدف بالقضاء عليهم، وجعلهم يدفعون الثمن غالياً فيما لو واصلوا تحدياتهم للإجراءات الصعبة التي تنتظرهم.
* *
إذاً، فإن الحملة الوطنية التي تترصد لمهربي المخدرات، والعمل على إحباط أي حالة من هذا النوع، والأرقام المفزعة التي تتوالى على مدى العام عن إعلان المديرية العامة لمكافحة المخدرات عن إلقائها القبض على شبكات التهريب والترويج تلقي بالمسؤولية على الجميع، وأن لا خيار آخر في هذه المواجهة غير الحرب الشاملة، وبكل الحزم والقوة والإصرار، حتى ينعم المواطن والمقيم ببلد خالٍ ونظيف من المخدرات.
* *
لقد صاحبت الحملة الجديدة على المخدرات مجموعة من القرارات لضمان نجاحها، وتمكينها من إحداث اختراق غير مسبوق ضد هذه الشبكات التخريبية وبينها فَصْلُ أي موظف حكومي يثبت تورطه في قضايا المخدرات، وإلغاء إجراءات التعهد والنقل التأديبي المعمول بها سابقاً، ومنح صلاحيات إضافية لرجال مكافحة المخدرات في استخدام الوسائل الممكنة بحسب ما تقتضيه مصلحة العمل والسلامة الشخصية، وإنشاء غرفة عمليات في النيابة العامة لمنح الإذن الفوري والمباشر لرجال مكافحة المخدرات في مداهمة المنازل والاستراحات المشبوهة بحسب ما تقتضيه مصلحة العمل، والإيقاف لمدة ستة أشهر لأيٍّ متّهم في قضايا الحيازة أو الاستخدام وغيرها ومن ثم تحويله للقضاء, ومنع الكفالات في قضايا الحيازة والاستخدام المعمول بها سابقاً.
* *
هذا يعني أننا أمام توجّه جديد وفاعل يضاف إلى ما هو قائم، وأن التهريب أو الاستخدام أو الحيازة تعرض صاحبها لأقسى العقوبات، بل إلى الموت في حال قاوم رجال مكافحة المخدرات، والمهم أن تستمر الحملة، وأن تواصل جهات الاختصاص الإعلان عن المستجدات لطمأنة الناس من جهة، وتخويف وردع كل من يفكر بأن يمارس تهريب هذا النوع من التجارة القذرة، أو يروج لها، أو يستفيد منها بالممارسة من جهة أخرى.