«الجزيرة» - الاقتصاد:
سلط أحدث التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي بعنوان «مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي» الأضواء على التعافي التدريجي للاقتصاد العالمي من الجائحة والصراع الروسي الأوكراني.
كما أشار التقرير إلى إعادة فتح اقتصاد الصين، وما لذلك من انعكاسات إيجابية، مع انحسار اضطرابات سلسلة التوريد، وبدأ تلاشي تداعيات الحرب على أسواق الطاقة والمواد الغذائية.
وفي ذات الوقت، ركزت معظم البنوك المركزية على تشديد سياساتها النقدية لإعادة معدلات التضخم إلى مستوياتها الطبيعية. وأدت الأزمة التي عصفت ببنكين من البنوك الإقليمية المتخصصة في الولايات المتحدة في مارس 2023، فضلاً عن فقدان الثقة في بنك كريدي سويس إلى اضطراب الأسواق المالية. وأدت كل تلك التطورات إلى خفض آفاق نمو الاقتصاد العالمي لهذا العام.
هذا وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته لمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي لعامي 2023 و2024 بمقدار 10 نقاط أساس عن توقعاته السابقة. ومن المتوقع الآن أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2.8 في المائة في العام 2023 وبنسبة 3.0 في المائة في العام 2024، فيما يعد أدنى التوقعات في الأجل المتوسط منذ العام 1990. كما أشار الصندوق أيضاً إلى أنه وفقاً للتوقعات الحالية، فإنه من غير المتوقع أن يتعافى نمو الاقتصاد العالمي على المدى المتوسط ليصل إلى المعدلات السابقة لفترة الجائحة. كما تم خفض توقعات نمو الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.
من جهة أخرى، تم رفع توقعات نمو الاقتصادات المتقدمة بنحو 10 نقاط أساس إلى 1.3 في المائة للعام 2023، في حين ظلت دون تغيير للعام 2024 عند نسبة 1.4 في المائة.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإنه في العام 2023، من المتوقع أن تشهد 90 في المائة من الاقتصادات المتقدمة تباطؤ معدلات النمو بوتيرة حادة. ومن المتوقع أن ترتفع معدلات البطالة في الاقتصادات المتقدمة بنسبة 0.5 في المائة في المتوسط خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2022 - 2024.
من جهة أخرى، تم خفض آفاق نمو الاقتصادات الناشئة والاقتصادات النامية بمقدار 10 نقاط أساس للعام 2023 ليصل معدل النمو المتوقع إلى 3.9 في المائة، ولم يكن هناك تغيراً يذكر في توقعات العام 2024، ومن المتوقع أن يصل معدل النمو إلى 4.2 في المائة العام المقبل.
وفي العام 2023، كان التباطؤ الاقتصادي أكثر وضوحاً في الاقتصادات المتقدمة، خاصة منطقة اليورو والمملكة المتحدة، إذ من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى 0.8 في المائة و- 0.3 في المائة، على التوالي، قبل أن ينتعش إلى 1.4 في المائة و1 في المائة العام المقبل.
وعلى الرغم من المراجعة السلبية بنسبة 0.5 في المائة، كان من المتوقع أن تتحسن وتيرة نمو العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة والدول النامية، في ظل زيادة النمو بنهاية العام إلى 4.5 في المائة في العام 2023 مقابل 2.8 في المائة في العام 2022.
الاقتصادات المتقدمة تشهد نمواً متواضعاً هذا العام...
تعكس المراجعة التصاعدية المعتدلة لآفاق نمو العام 2023 بصفة رئيسية رفع توقعات نمو الاقتصادات المتقدمة، والذي قابله جزئياً خفض توقعات نمو الأسواق الناشئة والدول النامية المصدرة للسلع الأساسية. إذ ارتفعت توقعات النمو للاقتصادات المتقدمة بمقدار 10 نقاط أساس للعام 2023 وظل دون تغيير للعام 2024.
من جهة أخرى، تم خفض توقعات النمو للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية بمقدار 10 نقاط أساس للعام 2023 وظل دون تغيير في العام 2024. وتم رفع توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنحو 20 نقطة أساس و10 نقاط أساس إلى 1.6 في المائة في المائة 2023 وبنسبة 1.1 في المائة في العام 2024، على التوالي.
وفي ذات الوقت، من المتوقع أن تشهد منطقة اليورو نمواً بمقدار 10 نقاط أساس إلى 0.8 في المائة في العام 2023 مقابل التوقعات السابقة البالغة 0.7 في المائة. في المقابل، تراجعت توقعات النمو لألمانيا بمقدار 20 نقطة أساس إلى -0.1 في المائة في العام 2023، لتعكس بذلك توقعات النمو بوتيرة ضعيفة وفقاً لما ورد في تقرير مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في يناير 2023، في حين تم خفض التوقعات بمقدار 30 نقطة أساس إلى 1.1 في المائة للعام 2024.
أما في اليابان، فمن المتوقع أن ينخفض النمو إلى 50 نقطة أساس إلى 1.3 في المائة في العام 2023، كما تم خفض توقعات النمو بمقدار 10 نقاط أساس إلى 1.0 في المائة للعام 2024.
وتعرضت توقعات النمو في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان لخفض شديد مقارنة بالخط المرجعي الأساسي بنحو 0.4 في المائة في العام 2023. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، تأثرت الدول ذات التعرض التجاري الأعلى للولايات المتحدة مثل المكسيك وكندا مقارنة بتلك التي لديها تعرض أقل مثل الصين.
كما تم خفض توقعات نمو الدول النامية منخفضة الدخل بمقدار 20 نقطة أساس إلى 4.7 في المائة للعام 2023 وإلى 5.4 في المائة للعام 2024.
وفي ذات الوقت، من المتوقع أن يستقر معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني عند نسبة 5.2 في المائة للعام 2023 وبنسبة 4.5 في المائة للعام 2024 فيما يعزى بصفة رئيسية إلى إعادة فتح اقتصادها الذي من المتوقع أن ينتج عنه انعكاسات إيجابية. وفي ظل تخفيف التدابير المتعلقة باحتواء فيروس كوفيد - 19، أدى تفشي حالات العدوى إلى انخفاض حركة التنقل والنشاط الاقتصادي بسبب المخاوف المتزايدة من تزايد انتشار الفيروس في الربع الرابع من العام 2022.
كما عادت اضطرابات الإمدادات للظهور مجدداً، وإن كان لفترة وجيزة، مما أدى إلى زيادة أوقات تسليم الموردين. هذا إلى جانب تأثر النشاط الاقتصادي سلباً في العام 2022 على خلفية انخفاض المبيعات العقارية والاستثمارات. ومع تراجع موجة تفشي الفيروس في يناير2023، عادت الحركة إلى وضعها الطبيعي، وبدأ عدد من المؤشرات الاقتصادية المهمة مثل مبيعات التجزئة وحجز الرحلات في التزايد مجدداً بعد أن استجابت الحكومة الصينية بتطبيق عدد من الإجراءات المهمة.
كما تم تعديل توقعات نمو الهند وخفضها بمقدار 20 نقطة أساس للعام 2023 إلى 5.9 في المائة، وبمقدار 50 نقطة أساس إلى 6.3 في المائة للعام 2024. وقال صندوق النقد الدولي إنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بأقل من 3 في المائة هذا العام، بينما ستمثل الهند والصين نصف النمو العالمي في العام 2023.
نمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودول مجلس التعاون الخليجي..
تم خفض توقعات النمو لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمقدار 10 نقاط أساس لعامي 2023 و2024، ليصل معدل النمو المتوقع إلى 3.1 في المائة و3.4 في المائة، على التوالي. يأتي ذلك بعد نمو يقدر بنحو 5.3 في المائة في العام 2022 قاده طلب محلي قوي وانتعاش في إنتاج النفط. يعكس تقليص النمو المتوقع لعام 2023 سياسات صارمة لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلي، والتخفيضات المتفق عليها في أوبك +، وتداعيات التدهور الأخير في الوضع المالي العالمي، وفقًا لصندوق النقد الدولي. هذا ومن المتوقع أن تشهد البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نموًا بنسبة 3.1 في المائة في العام 2023 مقارنة مع نسبة 5.7 في المائة في العام 2022 مع تحول التركيز إلى القطاعات غير النفطية باعتبارها المحرك الرئيسي للنمو.
وذكر صندوق النقد الدولي إن التخفيضات المفاجئة التي أعلنت عنها مؤخرًا أوبك + ستخفض النمو في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، لكن سيكون لها نتيجة إيجابية على المراكز المالية والخارجية حيث إن ارتفاع أسعار النفط سيعوض تأثير انخفاض النمو.
بالنسبة للأسواق الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ذكر صندوق النقد الدولي إن النمو يتوقع أن ينخفض إلى 3.4 في المائة هذا العام مقارنة مع نسبة 5.1 في المائة العام الماضي. وسيشمل ذلك معدل نمو بنسبة 1.3 في المائة للبلدان منخفضة الدخل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث إنها تكافح مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية وعدم استقرار الاقتصاد الكلي وأوجه الهشاشة الخاصة بكل بلد. وتم رفع توقعات نمو الاقتصاد السعودي بمقدار 50 نقطة أساس للعام 2023 إلى 3.1 في المائة. إلا انه بالنسبة للعام 2024، تم خفض آفاق النمو بمقدار 30 نقطة أساس إلى 3.1 في المائة.
وكان من المتوقع أن تتخذ مراجعة توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اتجاهاً نزولياً للعام 2023، إلا أنه على العكس من ذلك، من المتوقع أن تشهد أغلبية الدول مراجعات تصاعدية للعام 2024.
كما تم تعديل توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للعام 2023 للكويت وعمان وخفضها بمقدار 170 نقطة أساس إلى 0.9 في المائة و240 نقطة أساس إلى 1.7 في المائة، على التوالي.
ومن المتوقع أن تنخفض توقعات نمو الإمارات بمقدار 70 نقطة أساس لتصل إلى 3.5 في المائة. ولم تشهد توقعات البحرين وقطر تغيراً يذكر، حيث من المتوقع أن يصل النمو إلى 3.0 في المائة و 2.4 في المائة، على التوالي. وبالنسبة للعام 2024، من المتوقع أن يشهد اقتصاد سلطنة عمان نمواً بنحو 330 نقطة أساس ليصل إلى 5.2 في المائة، تليها البحرين التي من المتوقع أن تنمو بمقدار 80 نقطة أساس لتصل إلى 3.8 في المائة.
ومن المتوقع أن تنمو الكويت وقطر بمقدار 10 نقاط أساس لتصل إلى 2.7 في المائة و1.8 في المائة، بينما تظل توقعات نمو الإمارات دون تغير.
تراجع معدلات التضخم بوتيرة أبطأ...
منذ منتصف العام 2022، بدأ معدل التضخم الكلي العالمي يشهد اتجاهاً هبوطياً بدعم من انخفاض أسعار الوقود والطاقة، خاصة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وأمريكا اللاتينية. وفي إطار مساعيها لخفض معدلات الطلب وكبح جماح التضخم الأساسي، قامت معظم البنوك المركزية في كافة أنحاء العالم برفع أسعار الفائدة بوتيرة متسارعة ومتزامنة منذ العام 2021. وبدأت معدلات التضخم الأساسي، باستثناء تكاليف المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، في الانخفاض إلى أدنى مستوياتها المسجلة في ثلاثة أشهر في معظم الاقتصادات الكبرى، وإن كان بوتيرة أبطأ من تراجع معدل التضخم الكلي.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض التضخم من 8.7 في المائة في العام 2022 إلى 7.0 في المائة في العام 2023، أي أعلى من 0.4 في المائة الواردة ضمن توقعات يناير 2023 قبل أن يشهد المزيد من التراجع ليصل إلى 4.9 في المائة في العام 2024.
وعلى الرغم من النمو القوي الذي شهدته الأجور بوتيرة أعلى من المتوقع فقد يتوقف نمو معدلات التضخم الكلي والأساسي قبل الوصول إلى المستويات المستهدفة بسبب تشديد أوضاع أسواق العمل في العديد من الدول. أما إذا تصاعدت الأزمة في أوكرانيا بالتزامن مع تحسن وتيرة الانتعاش الاقتصادي في الصين، فقد يؤدي ذلك إلى عكس الانخفاض المتوقع لأسعار السلع الأساسية، وزيادة التضخم الكلي، والذي قد ينتقل بدوره إلى التضخم الأساسي وتوقعات التضخم. وقد تؤدي تلك الظروف إلى الضغط على البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى مما يضطرها لتشديد سياساتها بشكل أكبر والاحتفاظ بموقف متشدد لفترة طويلة، مما قد ينعكس سلبياً على الاستقرار المالي والاقتصاد.
حجم التجارة العالمية
من المتوقع ان تشهد أحجام تجارة السلع والخدمات اتجاهات مماثلة لنمو الناتج المحلي الإجمالي. حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل نمو حجم التجارة العالمية إلى 2.4 في المائة في العام 2023 و3.5 في المائة في العام 2024، مما يعكس تباطؤ وتيرة الطلب العالمي بعد عامين من النمو السريع الناجم عن زيادة الطلب خلال فترة الجائحة وتأثير الحرب الأوكرانية التي تسببت في نمو أرصدة تجارة النفط والسلع الأخرى. وقد تتقلص الارصدة العالمية تدريجياً على المدى المتوسط مع انخفاض أسعار السلع الأساسية.
ومن المتوقع أن يتباطأ نمو حجم التجارة العالمية من 5.1 في المائة في العام 2022 إلى 2.4 في المائة في العام 2023. ومن المتوقع أن تتسارع وتيرة النمو إلى 3.5 في المائة في العام 2024، أي تم رفعها بمقدار 10 نقاط أساس لتصبح بذلك أعلى مما كان متوقعاً للعام 2024 في تقرير يناير 2023 الذي يعكس بصفة رئيسية اتجاهات نمو الناتج العالمي. كما تم خفض توقعات الواردات بمقدار 10 نقاط أساس للاقتصادات المتقدمة إلى 1.8 في المائة للعام 2023 و2.7 في المائة للعام 2024، بزيادة قدرها 20 نقطة أساس. وبالنسبة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، من المتوقع أن تزيد الواردات بمقدار 20 نقطة أساس لتصل إلى 3.3 في المائة للعام 2023 وإلى 5.1 في المائة للعام 2024 (70 نقطة أساس).
من جهة أخرى، من المتوقع أن تنمو صادرات الاقتصادات المتقدمة بنسبة 3.0 في المائة (40 نقطة أساس) في العام 2023 يليه نمو بنسبة 3.1 في المائة (20 نقطة أساس) للعام 2024. إلا أنه من المتوقع أن تنخفض صادرات الأسواق الناشئة والدول النامية، مع خفض تقديرات النمو بمقدار 60 نقطة أساس للعام 2023 إلى 1.6 في المائة، يتبعه مراجعة نزولية بمقدار 40 نقطة أساس للعام 2024 ليصل معدل النمو إلى 4.3 في المائة.