رضا إبراهيم
جرى استخدام ما يعرف بـ(العصف الذهني) من قبل فرق معينة، لتوليد أفكار لحل مشكلات جرى تحديدها بوضوح، في ظل ظروف مضبوطة وبيئة حرة للتفكير، حيث تتعامل تلك الفرق مع مشكلة ما، بطرق متعددة وطرح أسئلة مثل (كيف يمكننا) ما يجعلهم ينتجون العديد من الأفكار المتنوعة، ويقومون برسم روابط بينهم تساعد على إيجاد حلول محتملة، والعصف الذهني جزء من التفكير التصميمي، ومن خلاله يمكن التوسع بكل الاتجاهات، والتفكير بطريقة بعيدة تماماً عن أسلوب القولبة التقليدي للبحث عن الحلول.
والعصف الذهني ببساطة، هو حالة يتلاقي فيها عدة أشخاص، بهدف توليد أفكار وحلول جديدة فيما يخص مجالا معينا من الاهتمام بإزالة الموانع، ومن خلالها يمكن للمشاركين التفكير بحرية أوسع، واقتراح أكبر عدد من الأفكار التلقائية التي تبدو جديدة، وفيها يتم تدوين الأفكار دون وجود نقد، وعقب جلسة العصف الذهني يجري تقييم كل الأفكار المقترحة، والعصف الذهني استخدام العقل لاقتحام مشكلة مع حشد من الحلول الإبداعية، باعتبارها تقنية مستخدمة لإثارة الإبداع، ويمكن أن تكون جلسات العصف الذهني مفيدة جداً، لتكوين الصداقات الجديدة وتقوية الروابط الاجتماعية.
فعلى الرغم من أن الأشخاص عامة، يصنعون صداقات مع من لديهم اهتمامات مماثلة، لكن جلسات العصف الذهني يمكنها أن تصبح وسيلة للتواصل بين الأشخاص رغم اختلافاتهم، وبهذه الجلسات يميل الأفراد إلى المخاطرة لتحقيق أهدافهم وتحمل العواقب، عبر السماح للمشاركين بالتعبير عن آرائهم وأفكارهم بصوت عالِ، أمام عدد من الأفراد المختلفين في الميول أو الأهداف، ما يجعلهم أقل عرضة للرهبة أو التردد، حالة ما إذا تعلق الأمر بالتعبير عن أنفسهم والأفكار، التي قد يكونون قد شيدوها بأدمغتهم.
وفي أحياناً كثيرة يقوم الأفراد أو الفرق بإجراء عملية عصف ذهني في بداية المشاريع، كطريقة لإيجاد حلول مبتكرة للمشكلات الحالية، ولكن يمكن دمج هذه التقنية كلما ظهرت الحاجة لأفكار جديدة، وفي الوقت الذي يتم فيه استخدام العصف الذهني عادة في مجموعات، إلا أنه يُعد كذلك أداة رائعة جداً يمكن أن يستخدمها الأفراد، عند العمل على أهداف أو مشاريع فردية.
وبكتابه الموسوم بـ»الخيال التطبيقي» الصادر عام 1953م يؤكد مسئول الإعلانات الأمريكي أليكس فايكني أوزبورن (1888 - 1966م) صاحب مصطلح العصف الذهني قائلاً (في العصف الذهني، نهدف بشكل مباشر إلى مشكلة التصميم، وننتج ترسانة هائلة من الحلول المحتملة، ليس من خلال عدم حصاد أفكارنا فقط، بل أيضاً بالتفكير في أفكار الزملاء، وبناء عليها فإننا نغطي المشكلة من كل زاوية يمكن تخيلها، ومن الأسهل تخفيف حدة فكرة جامحة بدل التفكير في فكرة جديدة، وهناك مبدآن شكلا أساس العصف الذهني، هما الفعالية الفكرية المحسنة، وتجنب النقد والكم على الجودة).
والملاحظ أن تلك المبادئ السابق ذكرها، قد دفعت أوزبورن لوضع قواعد أربع للعصف الذهني الفعال تتمثل في (التركيز على الكمية، وحجب النقد، والترحيب بالأفكار غير العادية، والجمع بين الأفكار وتحسينها) وكان القصد من هذه القواعد تعزيز بيئة تعاونية كثيراً ما روجت للأفكار الإبداعية، من خلال تمكين الأشخاص من التفكير بطرق جديدة وفريدة من نوعها.
ويجب القول بأنه عند عمل الفرق بأجواء خالية من الأحكام، للعثور على الأبعاد الحقيقية لمشكلة ما، فمن المرجح أن تظهر إجابات تقريبية، يمكن العمل على تحسينها في الحلول الممكنة فيما بعد، كما يوجد هناك عدد من المراحل الواجب إتباعها أثناء حل المشكلة المطروحة عند التواجد بجلسة العصف الذهني، أهمها صياغة المشكلة وبلورة المشكلة وتوليد الأفكار، التي تعتبر عن حلول لنفس المشكلة، بجانب تقييم الأفكار، التي أمكن التوصل إليها، وفي أثناء مرحلة صياغة المشكلة، يقوم المسئول عن جلسة العصف الذهني بطرح ذات المشكلة، كذلك يقوم بطرح أبعادها لكافة المشاركين في الجلسة.
والواجب على كبير الجلسة أيضاً، القيام بالعديد من الأعمال التمهيدية بهدف تجميع الحقائق، وذلك من خلال بعض الوسائل المساعدة منها (المسموعة أو المرئية أو المقروءة)، هذا بجانب مناقشة نفس المشكلة بصورة موجزة، أملاً في التأكد من استيعاب كافة المشاركين لها، وعن مرحلة بلورة المشكلة أو إعادة صياغتها، ففي تلك المرحلة يجري عادةً صياغة المشكلة بعدة طرائق، ولكن يجب أن تبدأ البلورة بطرح سؤال (وهو كيف يمكن أن..؟).
ما يعني أن إعادة الصياغة هذه يمكنها أن تقدم بحد ذاتها حلولا مقبولة، دون الحاجة إلى إجراء المزيد من عمليات العصف الذهني، ويُعد استهلال كل عبارة تعاد صياغتها بتلك الألفاظ (كيف يمكن أن..؟) قد تضمن استبعاد الحلول في هذه المشكلة، وذلك يعني خضوع المشكلة للمزيد من أعمال الفحص والدراسة، من خلال أبعاد مختلفة وزوايا متعددة، ويمكن أن يتصادف وجود بعض الألفاظ أو العبارات التي أعيدت صياغتها، لتبدو قريبة الشبه جداً مع الألفاظ الأصلية التي تم بها عرض المشكلة، وقد تبدو المشكلة في حالات نادرة جداً بنفس الصورة من كافة الأبعاد، وفي هذه الحالة لا تتوافر اقتراحات بإعادة صياغتها.
ومن الصعب اعتبار الوقت الذي استغرقته عملية إعادة الصياغة وقتاً ضائعاً أو مهدراً، إذ إن عملية المناقشة بحد ذاتها يمكنها إلقاء بعض الأضواء التي توضح ذات المشكلة، ويجب الإشارة إلى أنه في حالة طرح عدة عبارات، مثلاً على الأقل معاد صياغتها، يجري اختيار واحدة فقط أو اثنتين منها، للقيام بإجراء العصف الذهني عليها، أي توليد أفكارا تتعلق بالحلول، ومن الواجب كتابتها حتى يمكن رؤيتها، على أن تستهل العبارات المعاد صياغتها بالسؤال عن (كم عدد الطرق المختلفة التي يمكن من خلالها أن..؟) ولا ريب في أن تلك العبارة التي جرى صياغتها بهذه الصورة، تستدعي دوماً الأفكار والحلول بأساليب تبدو مختصرة وبسيطة.
وهناك قواعد للعصف الذهني أولها التركيز على الكمية، فمن المحتمل أننا سمعنا عبارة «الجودة على الكمية» ولكن عندما يتعلق الأمر بالعصف الذهني فإن العكس تماماً هو الصحيح، فكلما زاد عدد الأفكار كان ذلك أفضل، وبدلاً من محاولة التفكير في فكرة واحدة كبيرة، يجب العمل على الكمية، للخروج بأكبر عدد من الأفكار، وتلك الطريقة ستمنح المزيد من الخيارات للاختيار من بينها، ويمكن أن تلهم الآخرين للتفكير في أفكار جديدة، فلن تكون كل فكرة رائعة لكن فكرة واحدة سيئة قد تؤدي لعدة أفكار جيدة، وفي النهاية كلما تمت مشاركة المزيد من الأفكار، زاد احتمال وجود أفكار مفيدة أكثر للعمل من خلالها، وهناك قاعدة أخرى تُعرف بـ(حجب النقد) أي لا مكان أبداً للسلبية بالجلسة، ولا توجد فكرة واحدة أفضل من غيرها.
ذلك لأن انتقاد الأفكار يحدُ من عدد الأفكار التي تتم مشاركتها بشكل مباشر، حيث إن إزالة النقد من المعادلة يخلق بيئة لمشاركة الأفكار والأفكار بحرية، دون خوف من الحكم عليها لأنها تعتبر خاطئة أو غير مناسبة، فعدم خوف الأشخاص من النقد، من الأرجح أنهم ليسوا فقط يشاركون المزيد من الأفكار لكنهم يتشاركون أيضاً المرح والأفكار البسيطة، وهذا مفتاح العصف الذهني، وتحتاج لأن يتم سماعها، وهناك قاعدة ثالثة وهي الترحيب بالأفكار غير التقليدية وتشجيع كل فكرة للتعبير عنها مهما كانت غرابتها، فيمكن للأفكار الفريدة وغير العادية وحتى الغريبة، رغم أنها ليست دائما مجدية، أن تطلق حلولاً مبتكرة، لم يجر التفكير بها من قبل، فالترحيب باللا مبالاة بجلسة العصف الذهني يعزز مساحة مفتوحة للإبداع، ويضيف إلى عدد الأفكار المشتركة، لذلك يقول اوزبورن (من الأسهل التخفيف من حدة الفكرة الجامحة بدلاً من التركيز عليها).
وهناك طريقة رابعة تسمى الجمع بين الأفكار وتحسينها، فبناء على الأفكار من الواضح أن الفريق لن يقدر على إنجاز كل فكرة، لكن يمكنه استخدامها للإلهام، لذلك يجب الجمع بين كل المفاهيم لإنشاء حلول جديدة، وتقييم كل فكرة لتحديد ما هو عملي ومبتكر وما هو أنسب لتحقيق الهدف المراد، وبناء على تلك الأفكار يقترح تحسينات أو بدائل مماثلة، فلا توجد فكرة واحدة معصومة من الخطأ حتى لو لم تكن فكرة أصلية، ولا يعني ذلك أنه لا يمكن المساعدة بتحسينها.
ومع افتراض أن كبير جلسة العصف ومن ورائه الفريق، يتبادلون الأفكار حول طرق لمساعدة المستخدمين على متن منتج ما بشكل أكثر كفاءة، حيث تتمثل إحدى الأفكار المشتركة في إضافة النصائح والأدوات إلى لوحة معلومات المنتج، وهذه الفكرة قد تمنح آخرين فكرة إنشاء معالج محادثة لإرشاد المستخدمين عبر المنتج، ما يعني أن الاعتماد على الأفكار المشتركة دوماً ما يساعد في إيجاد أفضل حل للهدف أو للمشكلة المطروحة.