ناهد الأغا
خالد الفيصل
دايم السيف، الشاعر الإنسان الأمير نسباً وخُلقاً وعلماً وغزارة شعر وجزالته وفصاحته.
من دام سيفه مصقولاً، وأُحسِنَ صقله في مُبارزة الشعر العذب الجميل، النابع من قريحته الشجية، شاعر تنساب الحروف منتظمة كانتظام حبات اللؤلؤ الفريدة في أجمل العقود وأبهاها وأنصعها، فارس امتطى صهوة جواد الأدب والإبداع، وجعل من الكلمة ميدانه الفسيح، الذي يعز على غيره مجاراته فيه، ومَن يقوى ويقوى كلما سار في دروب الفصاحة والبديع والبيان بسحره.
إنه الحكيم من قال فأجاد وأصاب في كل كلمة قالها وتستشعر وكأن رساما ًبارعاً ًملك الألوان والريشة فنسج منها أزهى اللوحات، التي تخلو من النقص، فالحكمة البالغة والعميقة والرصانة والجمالة واضحة جلية في ثنايا قوله:
الناس تفنى والمباني والأملاك
والقول يبقى والخبر للتوالي
الشعر معنى حكمته بعد الإدراك
وما كل يلمع على النور غالي
والشعر صور شاعر فيه تلقاك
اما لبس لك جوخ ولا سمالي
كأنما أنا في حديقة غناء مترامية الأطراف، فسيحة المساحات، واسعة الأركان تتناسق الأزهار فيها والورود، باسقة النخل والأشجار، كلما تطرب مسامعي لوقع بيان أبيات رسمتها مخيلة شاعر حاذق، جاب أرجاء الفصاحة شرقاً وغرباً، وكشف مكنونات نفيسة، تتوج بأجمل الحُلي حين يبوح بها صوته، وتدون قطرات حبره حروفه بمداد من الذهب النقي الخالص الناصع، الذي يزداد لمعانه كلما أمعنت النظر به وإليه، دون أن يخفت هذا البريق لو للحظة.
من كتب الفصحى ونطق بها بلهجته النبطية، موغلا ًفي أعماق فلسفة، تجعل عمالقة التحليل، والدارسين، يذهبون بعيدًا في مقصود من حروف قليلة شكلت كلمات قليلة، معبرة عن معانٍ بالغةٍ ومؤثرة، تبني في ذاتها هرما ًعاليا ًمشيدًا، تكمل القاعدة فيه القمة، وتقوى قمته بثبات قاعدته، كيف لي أن ألمس أثر الفلسفة الإنسانية الكبيرة في أبيات سمو الأمير خالد الفيصل ((مجموعة إنسان)) التي جعلتني أخلدُ إلى كُتب ومؤلفات الفلاسفة قديمهم وحديثهم، ودراسة النفس الإنسانية المليئة بالتناقضات، والجدليات، وكيف الزمن يتحكم في تغييرات نفسية في كل شخص:
قالت من أنت؟ وقلت مجموعة إنسان
من كل ضد وضد تلقين فيني
فيني نهار وليل وأفراح وأحزان
اضحك ودمعي حاير وسط عيني
وفيني بداية وقت ونهاية أزمان
اشتاق باكر واعطي امسي حنيني
واسقي قلوب الناس عشقٍ وظميان
واهدي حيارى الدرب واحتار ويني
واحاوم صقور الهوا حوم نشوان
واسيل الوديان دمع حزينِ
في عيني اليمنى من الورد بستان
وفي عيني اليسرا عجاج السنينِ
تهزمني النجلا وانا ند فرسان
واخفي طعوني والمحبه تبين
إن ما عرفتيني فلا ني بزعلان
حتى انا تراني احترت فيني
الأمير الإنسان، من جمع حكمة بالإدارة وأدباً وفكراً حصيفاً، وربانا في ميادين الفكر والعلم، ومن رأى أن الإمارة شرف من الله لخدمة وطنه، الذي أحبه وعشقه وبناه الآباء الأوائل -رحمهم الله- بحبات المهج والأرواح، ولا بد أن أقف بإجلال أمام أبياته عن الإمارة، قائلاً فيها:
إمارةٍ تخدم جميع المسلْمي
العز فيها والشرف والحضاره
والمرجله في خدمة الدار والدين
ماهيب تقليدٍ ولا مُسْتعاره
ما مثْلها إلّا بين نخله وسيفين
أسّسْ لها عبدالعزيز الصداره
وبرايةٍ ما ترتخي للسلاطين
لا واهنيْ من دارانا مثل داره
ما مثلها قريب والّا بعيدين
البعض لَى سافر يدوّر سفاره
وانا إذا سافرت ساهرني البين
يامغنّي أبْياتي تراها عباره
عمّا يدور بخاطري أمس والحين
سمو الأمير خالد الفيصل آل سعود -حفظه الله- سيرة وقصة بل رواية خالدة، لأنه صاحب الكلمة والفكر والحصافة، ولأننا جميعا ًنموت ولا تموت الكلمات.
أطال الله في عمرك ومتعك بموفور الصحة والعافية ودام الشعر نابضاً بالحب والوفاء.