د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
حي الطريف والبجيري ومطلّه خلال أيام عيد الفطر كانا وشاح فرح تقابلنا العروض التقليدية الحيّة. ورواية القصص وورش العمل للأطفال والفنون التراثية الشعبية وكثير من التراث العريق الموقر في بلادنا الغالية.
تعود أيام العيد وثقافة الفرح تُغنّى في الحقول وبين نخيل الدرعية لتعلن أساليب عرض حديثة لتراث عريق يحملُ معه الفرص وتفتح كنوز التراث وهي ملأى بالهدايا والهبات الممنوحة بسخاء للخطاب الثقافي المستنير الذي «صُنع في السعودية» وللتراث الوطني الذي «نبت في السعودية».
جاء الوقوف على شرفات البجيري ومطله والطريف ورواقه الجميل يحمل حواس الوطن في كل نبضات ماضيه، فأصبح لأعيادنا وسم متجدد تستجلب الموروث الأصيل، وتلبسه حلة عصرية، وتقيم منصات الثقافة لتحتفي بالفنون في مرابعها بالكلمة الجميلة والصوت الأجمل والفكرة الشاردة حتى انبلج نوره فأحاطه القائمون عليه بجدارة الاستبصارات الماضية من تراثنا، وجعلوها مركباً لقيادة الحاضر بإشراقات الماضي. فحين ننظر ونتمعن فهناك يُطوَّق التراث كل مفرداتنا التاريخية بوهج لآلئه، وقيمة الاسم والمسمى، في غراس البجيري أنبتته أشجاراً وارفة، تحولت إلى احتفاء بالتراث والثقافة يباهي بالماضي إرثاً وبالحاضر منجزاً، ومستقبلاً وحظيت مواقع التراث في البجيري والطريف بود وزارة السياحة وحفزها فاهتزت وربت.
ويقابلنا في البجيري والدرعية مصطلح الانتقال من المحلية إلى العالمية الذي يتربع على واقعنا الثقافي المعاصر فالمتتبع للسجل التاريخي للدرعية يستبصر تاريخ التراث في بلادنا ثقافةً وتقاليد وقيماً عربية أصيلة يجسدها العيد في البجيري وحي الطريف على أرض الواقع، ومن هنا ندلف إلى خصيصة أخرى وهي تأكيد الهوية الوطنية وتعزيزها لدى الأجيال. واتكأت صناعة السياحة التراثية على محددات تراثية للناس بها شغف ووله، ولهم فيها مآثر ومنابر وحكايات فالعرضة السعودية وسم سعودي خالد ممتد منذ أهازيج الحرب في فتوحات الملك المؤسس طيب الله ثراه.
وانتثرت في سوق البجيري الحرف والصناعات اليدوية الشعبية المتقنة التي لم تراقصها خطوط المصانع؛ ولم يدرس أصحابها مفهوم الجودة وتطبيقاتها ولكنها ملأت الحال وكفت المكان، وحيث عبق الروائح الزكية التي لم تتحقق فيها النسبة والتناسب بين مكوناتها في معامل الصناعات؛ إلا أنها مهنة معشوقة حتى الثمالة؛ كان خلط عناصرها في حنايا الوجدان، وقياس جودتها بالعين المبصرة الفاحصة. كل ذلك وغيره أسس لثقافة إحياء التراث ونجح مهرجان العيد في البجيري وحي الطريف فحقق المهرجان تجسير الفجوة بين الناشئة وتراثهم المهمش، فجمع لهم ما بين أصالة الماضي، ورونق الحاضر.
وكانت هناك وقفة انفتاح نحو حضارة الآخر تحقيقاً للتعايش الذي ما فتئت تدعو له بلادنا الغالية في كل مواقفها، وقد تمثل ذلك في عروض الأطعمة لبعض الدول الشقيقة والصديقة كمنصة تراث أخرى لعرض تفاصيل ثقافتها وتراثها في ذات النطاق الذي يحمل ثقافتنا وتراثنا؛ فتلك مثاقفة ترُى رأي العين وتُجنى ثمارها من الجانبين حيث يطلع مرتادو الفعاليات على ثقافة وتراث بلاد أخرى وانطلاقاً من اسم المكان والزمان والعيد السعيد وواقعه الجميل الذي تتقد له العواطف الوطنية فليت القائمين عليه يفسحون فضاءات أكبر للتراث، فما زالت حزم كثيرة منه ترقب سانحة تحملها إلى منصات العرض!
وأختم بأن المظاهر الموجودة على أرض البجيري ومطله وحي الطريف وخارجهما مما رصدته الأعين والأذان والأقلام تتنازع الأفضلية وتجتمع في أنها رافد من روافد الانتماء لهذه البلاد الغالية المملكة العربية السعودية وماضيها الأشم وحاضرها الأتم بتوفيق الله!