خالد بن حمد المالك
لا زلنا غير مصدقين ما يحدث في السودان، ومصدومين من هذه الحرب بين الإخوة وأبناء العم، ويساورنا الشك في أسبابها ومن قد يكون وراءها، وهل نحن أمام تطورات أكثر عنفاً، وأسوأ نتائجَ, بحيث تتحول البلاد إلى أرض محروقة، ودولة فاشلة إذا ما استمرت وتيرة المواجهات العسكرية بأكثر مما هي عليه الآن.
* *
وأين العقلاء والحكماء في الجانبين العسكريين، وفي المؤسسات السودانية من دور لم يضطلعوا به حتى الآن لإيقاف نزيف الدم والتخريب والسرقات والفساد التي طالت كل شيء في السودان الحبيب، وعدم الاكتفاء بهُدَنٍ لا تلبث أن تفشل، وتعجز عن الصمود بفعل الاختراقات من قبل الطرفين.
* *
السودانيون يريدون إيقاف الحرب، ولكن أنَّى لهم تحقيق ذلك، وما زال الإصرار على مواصلة القتال هو سيد الموقف لدى الجيش والدعم السريع، وكلٌّ يدعي مسؤولية الطرف الآخر في ذلك منذ انطلاق أول شرارة في هذه المعركة العبثية وإلى اليوم.
* *
ومن حق السودانيين وغير السودانيين أن يحزنوا على مشاهد الدمار، وارتفاع القتلى والمصابين، وأن يشعروا بالألم كلما شاهدوا ما تدمع له العين ويدمي القلب، في مواجهات عسكرية ضارية في السودان المنكوب.
* *
لقد تمّ تفريغ السودان من غير السودانيين للإبقاء على حياتهم بعيداً عن إطلاق النار المتبادل، وتَرْك السودان للسودانيين يتقاتلون فيما بينهم، ويدمرون دولتهم بأيديهم كما يحدث الآن، وفق ما اختار عسكريوه من مصير مجهول للشعب المدني الأعزل.
* *
وفي المقابل فقد أصبح القتال يزحف نحو الأحياء المدنية، ويتخذ من المدنيين في مساكنهم دروعاً بشرية للاحتماء من المواجهات العسكرية، رغم أن ذلك يعرض حياة المدنيين الأبرياء من نساء وأطفال وكبار سن للخطر.
* *
وقد أفرزت هذه الحرب عن تفريغ السجون من الإرهابيين والقتلة ومهربي المخدرات، وأصحاب السوابق ليكونوا جزءاً من الحالة المأساوية التي يمر بها السودان، كما مُكِّنَ القادة السياسيون في عهد البشير بما فيهم البشير من فرصة للهروب من السجن ليعلنوا بأنهم سوف يدافعون عن أنفسهم وسط هذه الفوضى التي تمر بها البلاد.
* *
ومع مشهد هروب السجناء، وكل طرف يتهم الطرف الآخر في تسهيل هروبهم، جاء من يتحدث عن أن الجيش يضم الإخوان المسلمين، وعناصر من نظام الرئيس البشير في حرب نفسية تضاف إلى الحرب العسكرية، في محاولة لخلط أوراق اللعبة العسكرية.
* *
والآن بدأت تتحرك ميليشيات أخرى، لا علاقة لها بالجيش ولا بالدعم السريع، لتكون جزءاً من هذه المعركة، وهناك القبائل التي قد يضطرها الموقف إلى أخذ مكانها في المواجهات إذا ما أحست بأن خطراً قادماً نحوها، وكلها توقعات لا يمكن استبعاد حدوثها في ظل هذا الغليان.
* *
وكل ما نتمناه أن يتوقف القتال فوراً، ويعود الجميع إلى طاولة الحوار، ويغلّبون مصلحة الوطن والمواطن على مصالحهم الشخصية، فما تركته الحرب خلال الأيام الماضية يمثل خسائر كبيرة يحتاج السودان إلى سنوات حتى يلملم جراحه ويبني ما هدمته هذه الحرب، وإذا ما طالت واستمرت فلن يكون السودان في وضع من يستطيع أن يبني ما هدمته الحرب، أو ينسى من قُتل أو أُصيب من أبنائه.