حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
قراءة في كتاب (كبار الكتاب كيف يكتبون؟)
تأليف: نخبة من الكتاب.
ترجمة الأستاذ: كاظم سعد الدين.
الكتابة هي هويتك الشخصية، وحمضك النووي، والكاتب الحقيقي هو من يدفعه شغفه وحبه وهوسه إلى التعبير عن نفسه بصدق تام، وصراحة معقولة وموضوعية عادلة، ومن خلال الكتابة نخلق لأنفسنا أعماراً طويلة، وبها نتواصل ونتعايش مع أفذاذ المجتمع الواحد، وفي آنٍ واحدٍ، بل قل مع عناصر مجتمعات عدة، وأجيال جمة في أوقات متباينة، وأزمنة متعددة وتختلف مشارب الناس في أهدافهم من الكتابة، هناك من يكتب حباً في الظهور، وهناك من يصبو للمادة، ويرغب في المال، وهناك من يكتب هيماناً وصبابة بحرفة الكتابة.
ومن جميل القول، ومليح المقال التعرف على زمرة من الكتاب الغربيين جمعهم ولمَّ شتاتهم كتاب ( كبار الكتاب كيف يكتبون؟) وهي عبارة عن مقالات ومقابلات وحوارات مترجمة لعمالقة الكتاب النابهين البارزين في الأقطار الغربية، وهو يعرِّف بمواهبهم، ويقترب من نزعاتهم كيف يكتبون وينشرون؟ ولماذا يكتبون ويبدعون؟ ثم ما هي طقوس وسنن الكتابة عندهم، سيما أن الطقوس الكتابية هي العامل الأوفى، والقدح المعلى في إيقاد العزم، وشحذ الهمة، وصقل العزيمة، فميكافللي صاحب كتاب ( الأمير) كان ينهض من مقعده فجأة، ليجوب مكانه ذهاباً وإياباً، يقرأ ما كتب وكأنه محاضر أمام حشد من الناس، فإن أعجبه القول أثبته وقيده، وإن لم يأنس به محاه وأزاله، والراوي والكاتب الفرنسي ( ألبيركامو) كان لا يكتب إلا عندما يكون واقفاً أمام البلكونة، والروسي الأمريكي فلا ديمير نابو كوف صاحب رواية (لوليتا) كانت معظم كتاباته معقدة سواء في حبكتها أو ألفاظها وعُرف عنه أنه كان يكتب رواياته على كروت صغيرة بالقلم الرصاص وهو مستلقٍ على ظهره، ويضم كتاب ( كبار الكتاب كيف يكتبون؟ ) سبع عشرة مادة متفرقة بين حوار صحفي أو مقال قد يكون ذاتياً أو ما سواه يتحدث الكاتب فيه عن عادته في الكتابة، ومن خلاله يمعن في الحديث عن موهبته وقد جاء تتابع الأعلام في الكتاب على النسق التالي:
أول هذه المقالات للكاتب الكبير : مالكوم كاولي وعنوان المقالة: كيف يكتب كبار الكتاب؟ وقد تحدث الكاتب عن مراحل القصة وهى أربع بذرة القصة، ثم التأمل فيها ثم كتابة المسودة ثم أخيراً المراجعة وبذرة القصة هي شيء يطرأ على الذهن عن طريق المصادفة، فكل كتاب يبدأ فى ومضة ولكنه يستغرق وقتاً طويلاً ليتخذ شكله النهائي، ثم تلى ذلك عملية التأمل وهي ما يسميها بعض الكتاب بالفترة التصويرية، وهذه الفترة قد تستغرق يومين فقط أو عدة سنوات، وتحدث أحياناً في فترة انشغال الكاتب بترتيب حديقته، أو إيصال زوجته وهكذا، وأما مرحلة المسودة الأولى فيكتبها بعض الكتاب في سرعة فائقة، وبعضهم يراجعها ويعمل فيها بجد، ثم تأتي مرحلة المراجعة، فيأخذ الكاتب في مراجعة كل كلمة باستمرار واستمرار وليس هناك مرحلة يختلف فيها الكتاب كهذه المرحلة النهائية، فبعضهم يستمر في إعادة كتابته حتى بعد طبعها.
وقد تسبق مرحلة بذرة القصة مرحلة الإحساس العاطفي المكثف أو الشعور.
وتتضح هذه المراحل في القصة أكثر منها في الرواية. ويتحدث الأديب عن مشاكل بعض الكتاب وأعقد بشكله أمامهم هي النهوض للعمل في أي وقت فبعضهم يؤدي بعض الأعمال الدينية ليبدأ في عمله على أن بعض الكتاب يشعر بأن وقت الكتابة هو الوقت الذي يمتلك فيه ذاته، وبعضهم يشعر بالبؤس الشديد عند توقفه عن الكتابة، وعن الأمنية العظيمة للكاتب الألمعي هي المجموعة الكاملة لمؤلفاته. وثاني هذه المقالات للأديب البرتو مورافيا الإيطالي وعنوانها الحقيقة والخيال في الأدب القصصي وهي عبارة عن مقابلة أجريت مع الكاتب ملخصها أنه ولد في عام 1907م، وأما عن تعليمه حين سئل فيقول: (دراستي الرسمية هي في الحقيقة صفر، إذ أنني نلت شهادة الدراسة المتوسطة فقط، أي تسع سنوات من الدراسة تحتم علي الانقطاع بسبب إصابتي بسل العظام، إذ قضيت خمس سنوات في مجملها طريح الفراش بين عمر التاسعة والسابعة عشرة حتى عام 1924. وأول كتبه (زمن اللامبالاة) وهو عبارة عن رواية كتبها وهو طريح الفراش وكان عمره آنذاك في الحادية والعشرين ونشرت له مقالات بلغ بعضها خمسة أعمدة كاملة. وقد كتب للمسرح أيضاً كمسرحية (حفلة الملابس التنكرية) وكان يقرأ في المسرح كثيراً وهو صغير، فقرأ لشكسبير وموليير وغيرهما من أعلام الفكر الأوروبي، وفي الشعر قرأ لشكسبير أيضاً وبودلير ورامبو وغيرهم. وغالباً ما يمارس كتابته بين التاسعة والثانية عشرة صباحاً، وهو رجل متعاطف تماماً مع شخصيات رواياته، كتعاطفه مع أدريانا في رواية» امرأة من دوما» وينعى الكتاب الإيطاليين ويصفهم بالكسل، أما عن ثقافة بلده فيقول:
( إيطاليا بلد عريق. أما من الناحية الثقافية فهي الآن تتبع أوروبا وتفعل ما يفعلون ولكن بعدهم).
ثالثها: مقال للكاتب ( برل بك ) وعنوانه: بحثاً عن القراء. يتحدث هذا الأديب عن الهدف من الكتابة، وهو بالنسبة للمؤلفين التعبير عن الذات فقط، أم ولابد كما يقول: (أن يدخل التعبير إلى حيز الاتصال بين الكاتب والقراء) فهناك كتاب يسعون لإيجاد الصلة بينهم وبين القراء. ويرحبون بالقراءة الجزئية لأعمالهم، فالكاتب الجيد هو ذلك الذي يجب أن يكون منبسطاً لا انطوائياً ويصف الكاتب الانطوائية بأنها علامة على عدم النضج العقلي والروحي. وأما الكاتب الرابع لوونيفو - الذي يقول: حينما دخل الأدب في حياتي جعل يتأصل ويتطور، ووهبني عالماً متعدد الوجوه وعنوان مقالته : نور الأمل، انطباعات عن العمل الأدبي.
يرى هذا الأديب من زاوية معينة أن الكتابة ليست مهنة جيدة، لأن الكتاب يحرقون دماء قلوبهم من أجل أن يقدحوا نوراً كليلاً ولم يكن في يوم من الأيام يتوقع أن يصبح كاتباً ويتحدث عن سيرة حياته بقوله: ولدت في قرية صغيرة على ضفة نهر كنت أستيقط على ترانيم أمواجه الهادرة، وكنت اقرأ مؤلفات كونفوشيوس، وبعد تخرجي من الثانوية عملت في الصحافة لمدة ثماني سنوات وجربت كتابة القصة وأنا في الخامسة والعشرين ثم أصبحت كاتباً محترفاً، وقررت الكتابة عن الناس والأحداث الإنسانية ولكني فشلت وسقطت في الهاوية، وبعد محاولات عديدة للعودة إلى الكتابة وجهت إليّ انتقادات كثيرة، فتوقفت عن الكتابة، وذهبت إلى الريف ويقول: (لم أكتب شيئاً طول ثلاثة عشر عاماً. وقد نسيت كثيراً، ومثل عاجز راقد في سرير المرض ثلاثة عشر عاماً شققت طريقي بالاستناد إلى الجدران..) ثم بعد المحاولة والتصميم كتب قصة قصيرة سماها (إهداء) نالت أحسن جائزة في القصة القصيرة، وأصبح كاتباً عظيماً وهو في الخمسين من عمره، واستغرق تمرينه وصقل تجاربه خمساً وعشرين سنة ارتفع فيها ثلاث / مرات، وهبط مرتين والحوار الخامس أجري مع الأديب وليم فوكنر وعنوانه التجربة والملاحظة والخيال وهذه الأمور الثلاثة المذكورة في العنوان هي التي يحتاجها الكاتب الجيد. ويتحدث عن بدايته في الكتابة فقد كان فتى يشتغل بعمل بسيط، وكان له صاحب كاتب يقضي معظم وقته معه، غير أن صاحبه يحتجب ضحى ليكتب أعماله الأدبية، فقرر أن يعمل مثل عمله واندفع في الكتابة حتى أنهى كتابه (راتب الجندي) وحول سؤال وجه إليه وهو هل هناك قاعدة ممكنة قد تجعل من المرء روائياً جيداً قال 99 % موهبة، و99 % تدريب و 99 % عمل ومع ذلك يحتاج الفنان إلى البيئة التي تعطيه الاطمئنان والخلوة والبهجة وعليه أن يكون موضوعياً في الحكم على عمله، ومن آرائه الأدبية: إن الفنان طراز فوق الناقد، لأن الفنان يكتب شيئاً يحرك الناقد، والناقد يكتب شيئاً يحرك الجميع، وهو من الكتاب الجلدين الصبورين فقد كتب كتابه (الصخب والعنف) خمس مرات منفصلة. والحوار السادس أيضاً هو من أديب يعمل كأنه طبيب أو محلل نفسي، حيث إنه يجعل القارىء، ينظر إلى صورة شخصيته في الرواية المكتوبة أو في الكتاب، وفعلاً كان هذا الأديب يتلقى رسائل من القراء يقولون له فيها : إنك تفهمنا هو الأديب جورج سيمنون وعنوان الحوار الذي أجري معه العطاء الزاخر يصف الكتابة بقوله : (ليسالكتابة حرفة وإنما هي نداء الشفاء الباطني). ويصف حاله حينما يريد أن يكتب رواية بأنه يعيش عيشة الراهب لا يكلم أحداً، ولا يرى أحداً وقبل أيام قليلة من بدء الكتابة لا يكون لديه موعد لمدة أحد عشر يوماً ويستدعي طبيبه ليقيس ضغط دمه فيقول له : كل شيء على ما يرام وبعد الأحد عشر يوماً يأتي الطبيب فيرى ضغظ دمه منخفضاً وهو كاتب ذو إرادة صامدة قوية لم تجعل لآراء النقاد سبيلاً إليه هذه ست مواد فيها فوائد مقتبسه من كتاب:
( كبار الكتاب كيف يكتبون؟) وفيها يُستعذب الصبر، ويملح الجلد، ويحسن التصميم وتقوى الإدارة، هذه الطرائق جزء لا يتجزأ من أساليب كبار الكتاب حينما تحين لحظة ولادة واشتعال فكرة التأليف والإنتاج والإبداع، وهذه الطرق متصلة أشد الصلة بإبداع هؤلاء المفكرين، وهي وقود الشكيمة، ومستودع الهمة، والعجيب ما تذكره كتب عديدة سُطر فيها صبر الكتاب وطرائق المبدعين حينما يحمى الوطيس، وتحين ساعة النزال، وأنه لو لم يقدم هؤلاء البارزون على هذه الإرهاصات لم يكن الإبداع وليد سلائقهم، وفي جعبة الهمة سهام نافذة ، يأتي ذكرها – إن شاء الله – في حلقة الموضوع الثانية ولله در القائل:
رأيت العلم صاحبه كريم
ولو ولدته آباء لئام
وليس يزال يرفعه إلى أن
يُعظم أمره القوم الكرام
ويتبعونه في كل حال
كراعي الضأن تتبعه السوام
فلولا العلم ما سعدت رجال
لا عرف الحلال ولا الحرام
يتبع
** **
- -بنت الأعشي-