الشاعر أعمق حساسية للأشياء عن سائر بني البشر، يرى بعينيه مرة وبقلبه مرات، ويسترق تفكيرَه ما لا يلتفت إليه الآخرون. فعواطفه تسبق عقله في التعاطي مع مواقف الحياة اليومية.
وتتجلى تلك الحساسية دون مواربة لدى شاعر الهايكو، لالتصاقه بالطبيعة ومكوناتها، فقصيدة الهايكو ليست مجرد وصفٍ تقريري للمشاهد التي يؤطرها التأمل، إنما تنطلق عملية الوصف فيها من حالة شعورية تنعكس على الصور التي تقع تحت طائلة الرؤية، حيث يغدوان الشاعر والطبيعة مرآتين لبعضهما.
وقليلٌ مَن يعي مثل هذا التجانس بين الشاعر ومحيطه، إذ يندر أن تجد مَن يتمثل في نصوصهم هذا المفهوم، ومن هؤلاء الندرة الذين تمكنوا من التماهي مع ما حولهم الأديب السوري/ ماهر حرامي.
ينجح ماهر في الاقتراب - نفسياً - من العناصر التي تتموضع داخل إطار تأملاته، وذلك يحقق بينهما تناغماً يلغي الخصائص التكوينية للأشياء، مما يتيح له التحدث إليها، متعجباً أو متسائلاً، دون استنطاق، كقوله:
«متى تبوحين لي
بأسرارك الدفينة
أيتها السنديانة العجوز؟»
فهو يتحاشى الأنسنة بذكاء، كما فعل مع السنديانة، وتساؤله العميق هنا لا ينتظر ردًّا من جامدٍ لا يعي ولا ينطق، إنما يجسد حالة من التعلق بالمكان، تزداد تجذرا وعمقا مع تقادم السنوات، لتشعل داخله هوسا لمعرفة كل ما دار وما يدور فيه من قصص وحوادث وأسرار.
ويزداد التناغم حدة ليتجاوز مخاطبة الأشياء إلى تفسير بعض أفعالها في المشاهد التي يصفها، كما لو أن تلك الأفعال تأتي استجابة عفوية لممارساته، يقول:
«كعادتها أوَّل المطر،
تستقبلني أوراقُ الكِينا
عند باب المقبرة»
ولا يتوقف ماهر عند الحدود الكلاسيكية لموضوعات الهايكو، فالطبيعة لا تستأثر وحدها بمناخات قصيدته، إذ تزدحم مادته الشعرية بزخم هائل من يومياته، حتى في تعاطيه مع أبسط التفاصيل، تأمل على سبيل المثال قوله:
«بابا نويل
في المرآةِ –
رغوةُ الحلاقةِ على وجهي»
وإليكم هذه المختارات من نصوصه:
بين أغصان الكستناءِ
ثمرةٌ صغيرةٌ
تشعرُ بالدفءِ.
*
هذا الصيف،
لم يترك السنونو ريشَه
على شرفتي!
*
كل الأطفال فرحون بالثلج
إلا شجرة السرو
لا أحد يلعب معها
*
وحيدًا،
أشعلُ شمعةً
قبل حلولِ الظلام
*
كانت مائلة للخضرة
حبَّات الخوخ
قبل أن أسافر الأسبوع الفائت.
** **
- أحمد يحيى القيسي