أ.د.عثمان بن صالح العامر
حين تدق الحرب طبولها، وعندما ترى عبر نافذة مسكنك مشاهد الدمار تحيط بك من كل الجهات، وترقب ببصرك تصاعد النيران والدخان في السماء، أكثر من ذلك حين تقرأ أو تسمع عن الموت في الشوارع وداخل الأحياء المحيطة بك، وعندما تتوقف الحياة تماماً في يوم عيد، ويسرق المخزون الغذائي من بين يديك، وتضرب الطائرات وهي في انتظار الإقلاع، وتخترق الهدنة المزعومة، وتعتذر حكومات دول العالم الأول عن التدخل لنقل رعاياها في الوقت الرهن وعليهم الانتظار إلى أجل غير معلوم، في هذا الوضع المأساوي الجاثم على أرض السودان العزيزة، توقن وأنت هناك بأن موتك صار وشيكاً، والأرض رغم اتساعها أضحت في عينيك أضيق من سم الخياط، تظل وأنت تحسب الدقائق قبل الساعات قلقاً وخوفاً، وفي ذات الوقت ترقباً للنجاة، وأملاً بالحياة وانتظاراً للفرج.
وفي خضم الأحداث، وفي الوقت الذي أطرق الكثيرون من القابعين على هذه الأرض المشتعلة بالنيران يفكرون بالمخرج لهم ولعوائلهم وصولاً لديارهم بسلام، تأتي السفن السعودية لتنتشل هؤلاء العالقين، الرعايا المغتربين من جميع دول العالم وتؤمن وصولهم لبلد الأمن والأمان والسلامة والإسلام المملكة العربية السعودية، ومن ثم انتقالهم إلى بلادهم معززين مكرمين بعد أن تراقص الموت بين ناظريهم طوال أيامهم الماضية.
لقد انبرى وطني المعطاء المملكة العربية السعودية ليسجل في صفحات التاريخ موقفاً إنسانياً يصعب على غيره من دول العالم أن يقوم به، حتى تلك الدول التي تتبجح بدفاعها عن حقوق الإنسان، وتلوك مصطلحاته عبر قنواتها الرسمية والخاصة، وتدعي أنها هي وحدها من تولي ملفاته كل رعاية واهتمام، وترمي التهم على غيرها جزافاً بلا دليل، وتحاول أن تجعل من هذا الملف ورقة ضغط سياسية متى سنحت الظروف وكانت المناورات.
فالشكر لله عز وجل أن يسر لنا ذلك، ثم الشكر كل الشكر لقيادتنا الحكيمة - مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين رئيس مجلس الوزراء حفظهم الله - التي فرجت عن هؤلاء العالقين وسط هذه الأحداث الدامية مع استمرار احتدام المواجهات المسلحة بين الجيش السوداني من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى للأسف الشديد، وجعلت من الرياض عاصمة للدفاع عن حقوق الإنسان أياً كانت عقيدة هذا الإنسان وجنسيته وجنسه وطبقته الاجتماعية ووظيفته الحالية ونظرته الذاتية للإسلام وللمملكة العربية السعودية ولإنسان الوطن، والشكر موصول للبحرية السعودية ولسفارة المملكة في السودان، ولكل وطني سعودي مخلص، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.