خالد بن حمد المالك
انشغلت وسائل الإعلام عن الحرب الروسية الأوكرانية بالحرب السودانية السودانية، واختفت تغطية جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين لذات السبب، ولم يشفع شهر رمضان ولا عيد الفطر في إيقاف التصعيد في الحرب السودانية، وظل إسكات إطلاق النار صعب المنال، مع غياب الثقة بين الأطراف المتحاربة.
**
وعلى إيقاع دويّ الانفجارات، وتوسّع رقعة الحرب، ركزت الدول في تعاملها مع هذه الحرب على إجلاء رعاياها ودبلوماسييها، ما يعني التسليم على أن هذه الحرب ليست مرشحة للتوقف، وأن استمرارها سيطول, وأن لا أي بصيص أمل لإيقافها في الوقت القريب، طالما ظل كل طرف يتشبث بعزمه وإصراره على مواصلة القتال حتى هزيمة الطرف الآخر.
**
خروج رعايا الدول ودبلوماسييها على ما فيه من ضرورة لحمايتهم من حرب قد يدفعون حياتهم ثمناً لها دون وجه حق، إلا أن تفريغ السودان من الجاليات الأجنبية قد يعقّد المشكلة، ويضعف حماس الدول المؤثرة على لعب دور في إيقافها، طالما أن رعاياها ودبلوماسييها قد خرجوا من السودان، وتركوا للسودانيين أن يتقاتلوا كما يريدون.
**
الشيء الذي لم يتم اكتشافه حتى الآن - وإن تناول ذلك بعض المحللين - مدى مصلحة بعض الدول الكبرى في حرب كهذه، وهل قدر السودان أن تكون البداية من السودان لتمزيق الدولة إرباً إرباً، ضمن ما يسمى الشرق الأوسط الجديد، ليتبعها فوضى على مستوى القارة السوداء قبل الوصول إلى دول في الشرق الأوسط.
**
صحيح أن أغلب دول العالم تضامنت سياسياً وإعلامياً مع السودان لوضع حدٍّ لهذه الحرب، لكننا لم نرَ عملاً جاداً للتدخل لصالح نزع فتيل القتال، وإن حدث في المستقبل، ما هو الثمن الذي سيدفعه السودان حين يطوق التواجد العسكري الأجنبي السياسات في البلاد، ويقودها إلى مسارات ليست لصالح الشعب.
**
إجلاء غير السودانيين من أتون الحرب عمل إنساني طيب، ولكن ترك السودانيين في مواجهات عسكرية عبثية غير إنسانية فيما بينهم لا يستقيم وما تدعيه الدول الكبرى وخاصة أمريكا ودول أوروبا من أنها ملتزمة بحقوق الإنسان وبالديمقراطية في علاقاتها وتعاملها مع الدول الأخرى، ضمن حرصها على أمن واستقرار هذه الدول واستقلالها، وهو ما لم نره في الحالة السودانية.
**
وما يعنينا الآن أن تتوقف الحرب، ليتوقف النزيف بشرياً واقتصادياً، ويُبقى على ما تبقى من منشآت لم يصلها الدمار بعد، وهذه مسؤولية الجيش والدعم السريع معاً، ومسؤولية الشعب السوداني الذي أسقط عمر البشير ليجد نفسه أمام وضع أسوأ مما كان عليه إبّان دكتاتورية الرئيس المعزول.
**
والمطلوب من الطرفين أن يصغيا للوساطة العربية، ويلتزما بما يتم اقتراحه من بعض الدول العربية تحديداً، فهي من ليست لها مصالح في السودان، وما يهمها أن يتوقف هذا النزاع العسكري، ويتجه الجميع إلى تطبيق ما سبق أن تم الاتفاق عليه بإيكال إدارة السودان لنظام مدني يحكم البلاد، وبحماية جيش وطني واحد بعد أن يتم ضم الدعم السريع إلى تشكيلاته.
**
وأي عناد وإصرار على مواصلة القتال، فإن أحداً لن يفوز بهذه المعركة في نهاية المطاف، وسيدفع الثمن الشعب والدولة، وسيجد أعداء السودان فرصتهم لاختراق ما عجزوا عنه في السلم للعبث بمستقبل البلاد، وجعل السودان صومالاً آخر في نهاية هذا النفق المظلم.