محمد بن عبدالله آل شملان
منذ الفجر الصادق، فجر الملّة، ملّة خليل الله، شعّ نور يربط الأرض بالسماء، وحينها فقط استقر كائن الأرض على الأرض، بعد أن أشرقت بنور ربها. حينما رفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل، أذن في الناس بالحج إليه، وأداء العمرة في شهر رمضان وغيره من الشهور، يقصدون بيت الله الحرام ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذين شرَّف الله بهما الأرض، فكانا قطبيها ومركزيها، لا بقاء لها إلا بهما، محفوظة بحفظهما، مصانة بعنايتهما، محروستين بعينه التي لا تنام. وتواصلت أفئدة تهوي إلى هواها، وقد ظلّ الحرم المكي والحرم المدني هواها الذي يرفع أعناقها إلى سماء منيعة تحرسها الشهب وتزينها الشهب: تهدي السائرين، ترصد الغاوين، يمسك بها وبسماواتها أن تقع، وبأرضها أن تميد.
اهتمام سلمان و محمد
ها هي الرحاب الطاهرة الفسيحة تستقبل قاصدي بيت الله الحرام ومسجد رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام والمعتمرين والمصلين في شهر رمضان المبارك.
تستروح نفحات الإيمان في ظلال الكعبة المشرفة وبجوار روضة من رياض الجنة، بين بيت سيد الخلق ومنبره العظيم، الذي انطلق منه هديه ونوره، لأمة اختارها الله لأمانة الدعوة إليه وتطهير بيته للطائفين والعاكفين والركع السجود.
لقد كان فضل الله على هذا البلد وإنسانه عظيماً، حينما جعله سادناً للبيت، خادماً للحرم المكي وللحرم المدني، ناذراً نفسه لتحمل مسؤولية عظيمة بشرف لا يدانيه شرف.
وهذا هو شأن المواطن الأول في هذا البلد وعقله وقلبه الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله -، وساعده الأيمن سمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -.
فقد كان الحرمان الشريفان في ذروة اهتماماتهما العظيمة، يأخذان الكثير من فكرهما وجهدهما وأنفسهما الكبيرة، التي لا تقبل عن معالي الأعمال وأجلِّها بديلاً.
ويتجلى ذلك فيما عوَّدا أنفسهما عليه من أن يقدم وفد الله في كل عام إلى الحرم الآمن يمضيان فيه العشر الأواخر من رمضان، ويحلان برحاب مسجد رسول الله في طيبة الطيبة كل عام، ليقفا على كل كبيرة وصغيرة من أعمال التوسعة والعمارة، ويدرسان أدق تفاصيل العمل في هاتين المدينتين المقدستين، ليضعا لكل من يتصل بهذا العمل منهجاً شاملاً ونموذجاً كبيراً لما يمكن أن يكون عليه من كلَّفه الله بخدمة المقدسات، يستسهل الجهد والتعب من أجل شرف عظيم لا يدانيه شرف.
وستظل هذه الصروح الشامخة العظيمة شهادة للتاريخ، لطراز من الرجال يسبقون أمتهم نحو كل عمل يعلي كلمة الله، يشهده على مر العصور كل من شدّ رحاله إلى أقدس البقاع في مكة المكرمة والمدينة المنورة، قطبا الأرض وقبلتهما الخالدة.
قدرُنا العظيم
لأنه قدرُنا العظيم الذي خصنا الله سبحانه وتعالى به دون سائر شعوب العالم وبلدانها، وشرَّف الله سبحانه هذه البلاد الطاهرة المقدسة بأن جعلها مأوى القبلتين الشريفتين، ومهبط الوحي، وأرقى الرسالات، ونبع الإيمان الصافي، ومهد الإسلام دين البشرية جمعاء.
ولأن الله سبحانه وتعالى هيّأ لهذه الأمة قيادة إسلامية ملمة واعية، وجعل منهم خير رجال يقفون على حماية هذه المقدسات، وقيادة مخلصة تتشرف بالعناية بالمقدسات ورعايتها وتطويرها ومن ثم استقبال ضيوفها وزوارها في كل الأوقات على مدار العام في رحلة العمرة والزيارة ثم الحج العظيم.
ولأن أبناء هذا البلد الكريم بإحساس الرجل المسلم الواحد وشعور المؤمن الذي يعرف كيف يستقبل أخاه المسلم ويرحب به ويوفر له سبل الراحة والطمأنينة واليسر في أداء المناسك.
تتزايد وتتنامى أعداد القادمين للعمرة وللحج في كل عام، وحكومتنا الرشيدة بدعم لا محدود من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - وساعده الأيمن سمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -، يقفون لهم وقفة رجل واحد من أجل خدمة ضيوف الله والبيت العتيق مسخرين كافة الإمكانيات من أجل المسلمين في أنحاء العالم.
تعاون الوزارات والقطاعات
إن الشيء المبهر هنا في كل البلاد والمناطق والوزارات والهيئات ذات العلاقة بالحج، أن الكل يتسابق في تقديم أفضل ما لديه من خدمات، والذي يعتبرونه واجباً مقدساً خصنا الله سبحانه وتعالى به، ونحن له - بمشيئة الله تعالى - حافظون ومقدرون ومنفذون.
إن المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً بالفعل تقف في مثل هذا الوقت في شهر رمضان وكذلك في شهر ذي الحجة من كل عام، وقفة القلب المتفرع لإخواننا المسلمين الوافدين إلينا من أنحاء العالم، ووقفة العين الساهرة على أمنهم وحمايتهم ووقفة الساعد الذي يقدم لهم كل الخدمات في يسر وسهولة.
والذي ينظر إلى بيت الله الحرام ومسجد رسول الله الآن يقف على مدى ذلك التطور الهائل والتطوير الكبير في مرافقهما وخدماتهما ذات العلاقة وتوفير المياه ووسائل النقل وتنظيم السير وتهيئة سبل إقامة الصلوات الخمس والتراويح والتهجد، بشكل انسيابي جميل وبنظام دقيق وأمن كبير لأكثر من مليوني مصلٍّ؛ لحرص دائم على ضمان سير الأمور في مجراها الصحيح دون إخلال أو تفريط.
رئاسة شؤون الحرمين الشريفين
والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في المملكة العربية السعودية لها مع العمرة والحج عشق قديم وحب دائم واهتمام ملحوظ.
وهي من أجل ذلك تقدم لهاتين المناسبتين الروحيتين المقدستين كل خدماتها في مختلف قطاعاتها العاملة سواء في مكة المكرمة أو في المدينة المنورة، بتوجيه سديد ومتابعة دقيقة وإشراف مباشر من معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، الذي يولي جودة ومثالية الخدمات المقدمة لقاصدي المسجد الحرام والمسجد النبوي، انطلاقاً من الدعم السخي من القيادة الرشيدة - حفظها الله -.
ولهذا فإن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي لها خطط وبرامج تحقق الأهداف الاستراتيجية التي تسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيقها، بطموحٍ عالٍ وعمل دؤوب في مكة المكرمة والمدينة المنورة على ضوء رؤية 2030 وبما يتناسب مع العمق العربي والإسلامي لبلاد الحرمين، من خلال تكثيف الخدمات البشرية والتقنية في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ورفع الطاقة الاستيعابية الكاملة والمحافظة على سلامة وصحة وأمن قاصدي الحرمين، وسط منظومة عمل متكاملة تضم غرفة عمليات لمتابعة عملية إدارة الحشود والتفويج ومنظومة الخدمات التشغيلية وفق حوكمة وقياس الأثر وتقديم خدمات معيارية ذات جودة عالمية وبجاهزية في أجواء إيمانية خاشعة صحية آمنة.
ابتهال
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل الله عمرة المعتمرين وحج الحاجين، هذا العام، وفي الأعوام التالية، وأن يحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، اللذين يوليان هذه السياسة العظيمة كل رعايتهما واهتمامهما وحرصهما الدائم - حفظهما الله -، على أن يؤدي كل مسؤول عمله المطلوب منه، حتى نحافظ دائماً على وجه المملكة المضيء، والذي يُضرب به المثل والقدوة الحسنة في هذا الشأن.