اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
الحمد لله المنعم الوهاب، الذي جعل أفراحنا تترى، إذ احتفينا قبل شهرين بـ (يوم التأسيس) الذي شهد وضع اللبنة الأولى لمملكة أصبحت اليوم قارة، ثم احتفينا قبل شهر واحد تقريباً بـ (يوم العَلَم) لدولة كبيرة قوية دستورها كتاب الله عزَّ وجلَّ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشعارها العلم والعمل، غدت اليوم ورشة هائلة لإنجازات متميزة في جميع المجالات؛ ويد خير طولى تنثر الخير حيثما كانت هنالك حاجة أو نداء استغاثة، دونما منٍّ أو أذىً.. لن يكون آخرها تلكم المكرمة الملكية الكريمة باستضافة أشقائنا المعتمرين السودانيين الذين تقطعت بهم السبل، فلم يتمكنوا من العودة إلى بلادهم بسبب أحداث الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع. وقد علَّق بعض الإخوة السودانيين مشكورين وغيرهم على هذا عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي بالدموع، لدرجة أن البعض لم يستطع قول شيء فأجهش بالبكاء.
من جهة أخرى، تناقلت وسائل الإعلام العالمية، الآن وأنا أكتب هذا المقال، مبادرة السعودية بإجلاء منتسبي (11) دولة للسعودية، مع عدد من منتسبيها، واستضافتهم حتى يتم نقلهم إلى بلدانهم.
أما نحن هنا، فكما سبق أن أكدت في كثير من مقالاتي: لن يدهشنا قادتنا الكرام مهما أسدوا من خير أو حققوا من إنجازات، حتى إن أستعجب الغد مما يمكن أن يحققوه لنا بعد كل هذا، لأن هذا هو ديدنهم ورسالة بلادهم التي نذروا من أجلها أرواحهم رخيصة. ولهذا لا يسعني هنا إلا أن أردِّد مع أخي (شبيه الريح) الشاعر الكبير:
من مثل هذه الأرض في الأرض كلها
رايتها التوحيد والسيف والذكر
ومن مثل هذه الأرض طهراً ورفعة
لها خدمة البيتين لا ينتهي الفخر
ومن مثلها في الأرض مملكة الذرى
هي العون للمحتاج والعطف والبِّر
***
(ف) هنيئاً لهذه الأرض إخلاص شعبها
هم الصدق والإيمان والسعد والبشر
وهنيئاً لهذه الأرض تصميم أُسْدِها
هم الجد والإنجاز والبذل والوفر
وهنيئاً لهذه الأرض سلمان فخرها
فلله كل الفضل والحمد والشكر
وعلى كل حال، مثل هذا وغيره كثير مما لا يسع المجال هنا لذكره، ليس بمستغرب على بلاد حادي ركبها هو الأمجاد والعز والعلا والإسعاد والفخر والذخر.
وحق لنا أن نحتفي بهذه المناسبة السعيدة، أعني الذكرى السادسة لبيعة أخي العزيز الغالي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي عهدنا القوي بالله الأمين، رئيس مجلس الوزراء، شكراً لله سبحانه وتعالى المنعم الوهاب الذي قيض لنا قادة أبطالاً شجعاناً، أعزاء أوفياء مخلصين، همهم الأول والأخير رفعة بلادهم وراحة شعبهم وخير العالمين أجمعين.
والحقيقة الحديث عن إنجازات ولي عهدنا يفوق الحصر ويستعصي على الوصف، إذ قدَّم لنا خدمات جليلة لبلاده ولشعبه وللعالم أجمع خلال مشواره المهني الذي تقلَّد أثناءه عدَّة مناصب في الدولة، فضلاً عن مبادراته الإنسانية ونشاطاته الخيرية. ولهذا أكتفي هنا فقط بالإشارة إلى رؤيتنا (2030) الطموحة الذكية كما يحلو لمحدثكم أن يصفها دائماً، التي هندسها ولي عهدنا ووصفها بـ (رؤية الحاضر للمستقبل).. مستقبل يلبي كل الطموحات ويحقق جميع الأمنيات، سعياً للارتقاء بمستوى جودة الحياة الكريمة للجميع.
ولأن سموه الكريم كان حريصاً على تنزيلها على أرض الواقع، وبدأ العمل بها مباشرة عقب إعلانها، حققت كثير من برامجها أهدافها الطموحة حتى قبل أوانها. ولا غرو في هذا لقائد ليس به شيء قليل غير الرقاد، كما وصفه أخي (شبيه الريح) إذ يصل الليل بالنهار مُنكبَّاً على العمل الجاد الذي يستند إلى رؤية شاملة، إذ يقول أخي الشاعر الكبير سمو الأمير عبد الرحمن بن مساعد في هذا واصفاً أخي الأمير سمو ولي العهد:
ألا أنت الكثير بكل بذلٍ
وليس بك القليل سوى الرقاد
فليس غريباً إذاً أن تمضي رؤيتنا بعزم تستمده من عزم عرَّابها، يحول دون أي مجال لارتداد. وإذ نعاهد ولي عهدنا أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود على البقاء على العهد إلى الأبد إن شاء الله، لا يسعنا إلا أن نتقدم لسموه الكريم بأصدق آيات الشكر والتقدير، مشفوعاً بكل عرفان وامتنان على هذا الجهد المدهش الذي بذله من أجل رفعة بلادنا وتوفير حياة كريمة لكل مواطنة ومواطن على امتداد ربوع بلادنا العزيزة الغالية التي ليس مثلها في الدنيا وطن؛ الأمر الذي حقق لنا نقلة نوعية اليوم في حياتنا في جميع مجالات الحياة، وعزَّز مكانة بلادنا بين الأمم، فأذهل سموه الكريم الجميع بذكائه وحكمته وحنكته، وحزمه وعزمه وقدرته على البذل والعطاء، تنفيذاً لتوجيهات حادي ركبنا خادم الحرمين الشريفين، سيدي الوالد المكرم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود؛ فغدت بلادنا اليوم بفضل الله سبحانه وتعالى وتوفيقه، ثم بجهد قادتنا الكرام، قِبْلَةً تشد إليها الرحال من جميع دول العالم، مثلما هي قِبْلَةٌ للمسلمين، طلباً للدعم والمساعدة والمؤازرة والرأي السديد؛ هذا غير ملايين الباحثين عن الأمن والأمان والاستقرار والرزق الحلال، الذين يتوافدون إلى بلادنا صباح مساء من كل قارات العالم طلباً للعمل الشريف.
والحقيقة، يعجز الإنسان أن يوفي ولي عهدنا القوي بالله الأمين حقه علينا مهما أوتي من سعة بلاغة وقوة منطق وقدرة على التعبير. ولهذا لم أجد بُدَّاً من ترك المجال هنا لقريحة أخي (شبيه الريح) الذي يروق لي شعره كثيراً، لنقدم لولي عهدنا، و لو نزرٍ يسيرٍ، من كثير حقه علينا، فلنردِّد معه، مخاطبين سمو ولي عهدنا الكريم:
أنت المفكر قد نادتك نهضتنا
أنت المجدد والمأمول والأمل
***
مقدام عصرك لا تخشى مخاطره
تمضي وعزمك لا يوهي به كلل
***
ترنو إليك جموع الناس مصغية
والخصم ينصت والأقوام والدول
يهدي حديثك كل الشعب طمأنة
أما العدو، فقد أودى به الوجل
***
أنت العطوف إذا ما ضاق منكسر
أنت الدواء إذا ما شاعت العلل
(فياليت):
لو عمَّ عزمك في الأصقاع لاندثرت
أعتى المصاعب واستعصى بها الزَّلل
فالحمد لله عزَّ وجلَّ الذي قيض لنا قادة لا يشغلهم شاغل مهما تعاظم عن همومنا، أصحاب عزم لا يوهي به كلل، جعلوا بلادنا واحة أمن وأمان واستقرار لما حققوه لنا من تنمية مستدامة؛ فيما يغلي العالم من حولنا على صفيح ساخن بسبب ما يخوض فيه من وحل فتن داخلية لا تبقي ولا تذر، قضت على الأخضر واليابس وأزهقت أرواحاً بريئة.
فلندرك دوماً أنه لا عزَّ لنا ولا بقاء ولا نماء إلا بوحدتنا التي أذابت جميع الفوارق فيما عدا الهوية الوطنية، والتفافنا حول قادتنا الغر الميامين.. وكل عام، بل كل لحظة من عمر هذا الزمن وقادتنا بخير وصحة وعافية، وبلادنا تحقق مزيداً من التقدم والازدهار مع بزوغ كل فجر جديد.
والوعد أن نظل دوماً على العهد: سنداً حقيقياً لقادتنا الكرام ولبعضنا البعض، حتى تمضي قافلة خيرنا القاصدة في طريقها إلى الأبد بعون الله وتوفيقه، ثم بتلاحمنا مع ولاة أمرنا حفظهم الله ورعاهم، وسدَّد على طريق الخير خطاهم... فاللهم آمين.